اليقين
التقارير

بطريقة مذلة و مهينة العربية تستضيف حيدر العطاس في برنامج الذاكرة السياسية .” تحليل للمقابله ”

اليقين

سليم عامر .....

استضافت قناة العربية حيدر العطاس في برنامج الذاكرة السياسية بطريقة مذلة و مهينة بحق الرجل ..
اعتذر عن التشبيه لكني لا أجد تشبيه آخر قادر على إيصال الفكرة .. تعامل المذيع مع العطاس مثل واحد راكب على حمار يوجهه حيث يشاء .. شق شق يجي شمال مِن مِن يجي يمين حو حو يتوقف ..
على سبيل المثال فيما يتعلق بالزعيم الراحل علي عبدالله صالح بدت المسألة كأنها خضوع لعملية استجواب مسيّر ..
كان يدعم القاعدة ؟
نعم
كان يدعم الحوثيين ؟
نعم
كان يتآمر على السعودية ؟
نعم
كان يقف وراء الاغتيالات ؟
نعم
الخ ..
قناة العربية (السعودية) أرادت النيل من شخصيات و تلميع شخصيات باستخدام حيدر العطاس بما يتوافق مع المخططات السعودية الحالية تجاه اليمن ..
من المعروف العداء الذي يكنه العطاس تجاه الزعيم الراحل ..
من المعروف قبل هذا تاريخه السياسي كرجل اعتاد الهروب من المواجهات و انتظار الحسم حتى يحدد موقفه التالي ..
من المعروف أيضا (وباعترافه هو في البرنامج) أنه رجل اعتاد تحديد مواقفه بناء على تواصله بالدول ذات التأثير الإقليمي والدولي في اليمن .. الإتحاد السوفيتي الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية ..
مع ذلك ليس من الإنصاف القول أن كل ما قاله العطاس على العربية كان كذب و تجني فهناك بعض الحقائق لا شك ..

فيما يتعلق بالأحداث الرجل قال كثير من الحقائق لكن فيما يتعلق بالاراء و التوصيفات غلبت عليه مشاعره الشخصية ثانيا و انساق وراء رغبات قناة العربية أولا ..
سأمر هنا على بعض المحطات التي لفتت انتباهي في المقابلة ..

المحطة الأولى .. الحزب الاشتراكي ..

أخيرا ، و بعد صمت طال خمسة و ثلاثين سنة كاملة منذ اختفاءه عقب أحداث 86 الدامية في الجنوب ، أعلن العطاس أن علي سالم البيض هو المسؤول عن مقتل عبدالفتاح إسماعيل ..
لا أريد الخوض في قضية عبدالفتاح إسماعيل لكني أتساءل عن التوقيت الذي اختاره العطاس ،أو بالأحرى اختارته القناة، للتصريح عن القاتل الذي هو ،بحسب العطاس، علي سالم البيض ..
هذا يقودنا للتأمل في رأي العطاس في شخص كل من علي سالم البيض و علي ناصر محمد فرقاء صراع و أحداث 86 ..

البيض بحسب العطاس رجل متطرف متسرع لا يمتلك مشروع يكره و يتوجس من أي شخص قد ينافسه ، و يقول أن البيض كان ينظر إليه باعتباره أحد المنافسين ..
علي ناصر بحسب العطاس رجل عاقل متزن يحمل مشروع لكن المشكلة كانت في بعض أتباعه و ليست فيه ..
الغريب أن العطاس انحاز إلى علي سالم البيض الطرف المنتصر في أحداث 86 و ارتضى لنفسه أن يكون مجرد أراجوز في يده ..
رسميا كان العطاس هو الرجل الأول في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (بحكم منصبة كرئيس لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى) لكن عمليا كان مجرد أراجوز في يد علي سالم البيض الذي لم يكن يحمل أي منصب رسمي في دولة الجنوب .. فقط كان الأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني ..

كان من أهم أسباب الضغينة التي حملها العطاس تجاه علي عبدالله صالح هو اختياره توقيع اتفاقية الوحدة مع علي سالم البيض و ليس معه .. و في الحقيقة لا لوم على الرئيس صالح على هذا الاختيار لأنه اختار التوقيع مع الطرف الفاعل .. الوازن مش الأراجوز ..
انا بحسب معاصرتي و بالتالي معرفتي بشخصية علي عبدالله صالح أستطيع القول أنه حاول كسب حيدر العطاس إلى جانبه ،كما فعل مع كثير آخرين، إلا أن العطاس كان عصيَّا على صالح .. ليس بسبب تمسكه بمبادئه لكن لأنه لم يكن أكثر من تابع مخلص لعلي سالم البيض لم يمتلك جرأة الخروج من تحت عبائته وخصوصا بعد معرفته أين تكمن رغبة دول الجوار .. تحديدا المملكة العربية السعودية الراعي والداعم و الممول لعملية الإنفصال الفاشلة عام 94 .. وهذا يقودنا إلى المحطة التالية ..

المحطة الثانية .. السعودية ..

كنت و لازلت و سأضل أقول أن الحديث عن مسببات أزمات و مشاكل اليمن دون التطرق إلى الدور السعودي هو ضرب من العبث و الهروب و التدوير ..
تجاهل العطاس تماما الحديث عن الدور السعودي السلبي في الأحداث التي عصفت باليمن ،خصوصا حرب 94 التي انتهت بهزيمة منكرة للسعودية على يد علي عبدالله صالح .. ليس غريبا على العطاس تجاهل الدور السعودي سيما أنه يتحدث على قناة سعودية .. لكن كل من يتحدث عن أزمات اليمن و يتجاهل الدور السعودي إنما يتحدث عبثا ..
العكس صحيح بالمناسبة .. كيف ؟
و لو أننا سنخرج عن موضوعنا لكن لا بد من ذكر هذه المسألة و أتحدث هنا عن يمن علي عبدالله صالح .. تجاهل الدور السعودي السلبي في اليمن عبث ، و تضخيم الدور السعودي لدرجة القول بأن السعودية كانت تحكم اليمن عن طريق سفيرها في صنعاء (كما تفعل الآن) أيضا عبث و كذب ..
لي مقال عن طبيعة علاقة الرئيس صالح بالسعوديين و محطات الصراع التي رافقتها و أجزم بالقول أن علي عبدالله صالح هو الرئيس العربي (مش بس اليمني) الوحيد الذي جرع السعوديين مرارة الهزيمة ..

المحطة الثالثة .. الحوثيين ..

هنا قال ثلاثة أشياء .. أولها خطأ و ثانيها صحيح و ثالثها غير صحيح ..
الأول ..
بدأ بالقول أن الحوثيين منعوا الرئيس صالح من الحديث أثناء حملته الانتخابية في صعدة و هذا خطأ ..
الرئيس صالح اختار تدشين حملته الانتخابية عام 2006 من محافظة صعدة بالذات .. و كان أهم ما ورد في خطابه حينها هي دعوته لعبدالملك الحوثي و من معه لالقاء السلاح و ترك الجبال والعودة إلى بيوتهم مواطنين آمنين لهم كل الحقوق و الواجبات ..
الثانية ..
قال أن الرئيس صالح غضب بشدة و وبَّخ القائد العسكري الجنوبي ثابت مثنى جواس بسبب قتله لحسين الحوثي بعد أن استسلم و أصبح أسير .. و هذا صحيح ..
لكن العطاس قال ذلك لإثبات أن الرئيس صالح كان يدعم حركة الحوثيين و يستخدمهم كورقة تلاعب مع الخصوم ، و تناسى أن العفو و التصالح سلوك معروف عن الرئيس صالح استفادت منه جميع القيادات العسكرية و السياسية للحزب الإشتراكي عقب فشل محاولة الإنفصال ..
المفارقة هنا أن أحد أهم العسكريين المستفيدين من العفو العام هو جواس نفسه .. حينها انتشر بين العامة قول جواس أنه قتل حسين الحوثي حتى لا يستفيد من العفو العام كما استفاد هو و زملاءه ..
الثالثة ..
قال أن الرئيس صالح كان متعصبا و منحازا للمذهب الزيدي ضد أهل السنة و هذا غير صحيح ..
الحوثيون بالمناسبه يقولون العكس . فهم يتهمون الرئيس صالح بمحاربة المذهب الزيدي و تسليم البلد للسلفيين الوهابيين ..

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هنا هي أن الرئيس صالح تحالف مع جماعة الإخوان المسلمين (السُنِّية) و كان لهذا التحالف تبعات سلبية كارثية على البلد ..
الرئيس صالح من منطقة زيدية لكن القول بأنه كان متعصبا للمذهب الزيدي كلام فارغ ..
هو لم يتعصب لا للزيدية و لا للوهابية .. هو كان رجل سياسي براغماتي يعرف أن السياسة فن يتلخص في دراسة البدائل المطروحة و اختيار البديل الأقل سوءا وفقا لما تفرضه الظروف و التحديات القائمة ساعة الاختيار ..

خاتمة ..

قناة العربية استضافت حيدر العطاس في سلسلة لقاءات بطريقة مهينة تسوقه كيفما تشاء . الجانب الإيجابي هنا هو استرجاعنا لأحداث تاريخية مهمة يتم العمل على تزويرها و طمس حقائقها بطرق متجنية و في نفس الوقت غبية ..
الذي يريد معرفة الحقيقة عليه أن يسمع من الجميع ..
كل واحد سيقول ما يتفق مع مصلحته و مكاسبه .. حتى لو كان الشخص صادق (و هذا نادر في السياسة) فليس بالضرورة أنه يقول الحقيقة .. وجهة نظره ليست الحقيقة بالضرورة ..
اسمعوا من الجميع و اقرأوا للجميع ، واعتبروا الحقيقة مثل لعبة الرسم المجزاة التي تحتاج إلى تجميع من هنا وهناك حتى تتضح الصورة الكاملة ..

والذي يفترض بهذا الجيل و الأجيال اللاحقة عند استرجاع التاريخ السياسي القريب أو البعيد أن لا يكون الهدف المحاكمة و الإدانة أو التمجيد و التصنيم و لا استحضار الصراعات و الأحقاد و الثارات .. بل الاستفادة من التجارب الماضية بما يخدم الحاضر و يؤسس للمستقبل ..

التقارير

آخر الأخبار