اليقين
المقالات

قطر تبني علاقات مع ثلاث دول متعادية

حسين إيبش
حسين إيبش

إن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هذا الأسبوع إلى واشنطن ولقاءه الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض تعد بمثابة أحدث الممارسات الحساسة والمحفوفة بالمخاطر في السياسة الدولية.

وتقوم قطر المعزولة من قبل جيرانها بموازنة صداقاتها مع القوى الثلاث المتنافسة في الشرق الأوسط: الولايات المتحدة، تركيا، إيران. وفي حال تطبيق مخطط (فين البياني) على العلاقات الاستراتيجية في الشرق الأوسط: سيكون موقع قطر في منتصف المخطط.

وتتعرض قطر الإمارة الصغيرة لمقاطعة من قبل مصر وثلاث من الدول الخليجية المجاورة لها – السعودية، الإمارات، البحرين – التي تتهمها بدعم الجماعات الإرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين.

هذه المقاطعة لم تتسبب بتغيير سياسات قطر، ولكن جعلتها تعتمد بصورة أكبر على دعم القوى الإقليمية. وفي ظل تقديم الولايات المتحدة وتركيا وإيران أشكالًا حاسمة من الدعم، تسعى قطر جاهدة لتقديم مزايا مهمة لهم في المقابل.

وتعتبر علاقتها مع واشنطن هي العلاقة الأهم فيما يخص أمنها. وترتكز هذه العلاقة على قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تستضيف 10 آلاف جندي أميركي ومقر العمليات الأمامية للقيادة المركزية الأميركية.

ويوجد في قاعدة العديد المدرج الوحيد في المنطقة القادر على استقبال قاذفات بي 52. علاوة على ذلك، كان القطريون حريصين كل الحرص على جلب الجيش الأميركي من أجل الحفاظ على أمن بلادهم، إلى درجة أنهم لم يكتفوا بتمويل وبناء القاعدة، بل قاموا أيضًا بمنح الولايات المتحدة سلطة قضائية عليها حتى أصبحت وكأنها أرضٌ تابعة للولايات المتحدة.

لقد شجعت الإمارات الولايات المتحدة على نقل مقر القيادة المركزية، ولكن لا يمكن أن يوافق الإماراتيون على تنازلات استثنائية كتلك التي وافق عليها القطريون.

منذ أن بدأت المقاطعة في صيف عام 2017، أبدت قطر موافقتها عمليًا على كل ما تطلبه الولايات المتحدة تقريبًا، بدءًا من اتفاقيات للحد من تمويل الإرهاب ووصولًا إلى الاستسلام في نزاعٍ حول الطيران المدني، والموافقة على عقودٍ ضخمة جديدة للخدمات والسلع العسكرية والتجارية الأميركية، ناهيك عن توسيع وتطوير قاعدة العديد.

علاوة على ذلك، تحاول قطر تأطير علاقتها الجيدة مع الجماعات الراديكالية على أنها تصب في مصلحة الولايات المتحدة، بالرغم من أن الدول الخليجية تشتكي من تلك الجماعات. فبتشجيع من إسرائيل، تقوم قطر بتقديم مدفوعات مالية إلى حماس بشكل ربع سنوي من أجل تغطية تكاليف الرواتب في غزة، كما قامت مؤخراً باستضافة ما يمكن اعتباره مفاوضاتٍ متقدمة بين طالبان وأفراد تابعين للحكومة الأفغانية.

وقد عرض الحاكم القطري خلال زيارته لواشنطن أن يكون وسيطاً بين إيران وأميركا ولكن الأخيرة لم تهتم لأنها تريد فرض عقوبات أشد على دولة تعتبرها مارقة.

لقد فشلت قطر منذ بدء المقاطعة في جعل الولايات المتحدة تتدخل في صالحها، ولكنها نجحت في تعزيز علاقاتها مع واشنطن.

حدث ذلك بالرغم من التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وشريك قطر الرئيسي الآخر تركيا. فجهود تركيا لشراء منظومة الصواريخ الروسية أس 400 هي مجرد مؤشرات لخلاف أعمق مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي تحاول تركيا أن تؤكد على أنها قوة رئيسية في الشرق الأوسط.

وتكمن السخرية في أن قطر تعتبر الشريك الرئيسي لتركيا في هذه الجهود، بالنظر إلى أن الدولتين هما المؤسستان للتحالف الذي يدعم الجماعات الإسلامية السنية، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين. وإلى الآن فضلت الولايات المتحدة تجاهل هذا الجانب من أجندة قطر الإقليمية. ولكن إن واصلت تركيا صعودها الإقليمي قد لا يستمر الوضع كما هو.

ذلك التناقض القطري يتجلى بصورة أكبر مع القوة الرئيسية الثالثة في الشرق الأوسط إيران، والتي يجب أن تحافظ قطر على علاقة جيدة معها. وذلك لأن معظم دخلها يأتي من حقل غاز طبيعي تشترك فيه مع إيران. ومنذ المقاطعة اعتمدت قطر على المجال الجوي الإيراني وحقوق الطيران فيه لإبقاء طيرانها على قيد الحياة وتسهيل الوصول إليها دولياً.

بالرغم من المقاطعة، فقد كانت قطر من ضمن المشاركين في القمة الخليجية العربية الإسلامية الطارئة التي نظمتها السعودية في 30 مايو مع تزايد حدة المواجهة مع إيران. وقد بدا وأن قطر موافقة على البيان المشترك الذي ينتقد سياسات إيران الإقليمية، الأمر الذي أعطى أملًا في رأب الصدع الخليجي.

لكن في اليوم التالي تراجعت قطر عن كثير من الانتقادات لإيران مما زاد الفرقة بينها وبين جيرانها، ولكن هذا التصرف قلل من حدة غضب إيران تجاهها.

وبينما تعمل قطر جاهدة لتوفير ما يحتاجه شركاؤها الأميركيون والأتراك وأصدقاؤها الإيرانيون، وفي ظل تمكنها من موازنة هذه العلاقات الحساسة، إلا أن الخطر سيكون محدقًا بها. فإذا ما نشب خلافٌ بين اثنين من شركاء الدوحة الثلاثة، فقد تتعرض حينها إلى سقوطٍ مرير وصعب.

المقالات