اليقين
المقالات

نحن الصامدون لا أنتم

اليقين

الصامد هو من جاع ونام طوى، أو اقتصر مأكله على وجبة أو وجبتين من نصف وجبة في اليوم، وليس من تنعم وأكل ما طاب واشتهى من حقوق الناس، ومظالم حياتهم وأقوات عيشهم.

الصامد من أصابه الفزع والجزع حالما رأى خبزه يتضاءل وزنا وحجما حتى لا يكاد يراه، وقد أجحظ الجوع عينيه، لا من يعيش في الدسم والعسل، وقد ضرب الشبع كرشه وجنبيه.

الصامد من لم يستطع دفع إيجار السكن الذي يعيش فيه.. من تشرد وتجعجع معاناة في إقامته ومأواه ومأكله ومشربه.. لا من اعتاش الرغد وتطاول بالبنيان في ظل حرب ضروس، وعهد ثقيل، وزمن عبوس.

الصامد هو من نهبته اللصوصية الجشعة في حرب قذرة اعتاشت على دمنا ودموعنا وجوعنا.. حرب حصادها مُر تحتاج لنتعافى من أوارها وآثارها أكثر من ألف عام، فيما نحن لا زلنا إلى اليوم نعيش ونكرّس حروب أجدادنا الأوائل التي عاشوها في الجمل وصفين.

لا زال الماضي يعجن الحاضر خارجا وداخلا.. متى سنتعافى من حروبنا ومن ماضينا وحاضرنا الملطخ بالدم والمآسي العراض..!!

الصامد اليوم من أثقلت كاهله معاناة زيادة سعر دبة الغاز التي تناقص وزنها، وسارب من أجلها ليالي وأياما، لا من تربّح بفحش منها.. الصامد هو من يحتفل بدبة الغاز عندما يجدها، ويدفع قيمتها من دم قلبه ونزيفه، لا من يدير شؤون الناس بالأزمات، ويثري منها بغير حساب.

لسنا من أشعل الحرب ولكن نحن من ألقت الحرب في وجوهنا مأساة بحجم وطن.

مأساة لم يعد لها في الصبر مكان أو متسع.

حرب نعيش نارها ونتجرع مراراتها ولا نعلم إلى أي عهد ستمتد آثارها.. حصاد مرعب وعبث مجنون وغياب وفقدان وطن.. نحن صامدون هنا.

الصامد من لا يجد قوت غده، ويحسب حساب أجرة الباص كمن يحصي ويحسب أيامه الباقيات.. يؤثر ذرع الطريق بقدميه ليوفر أجرة الباص ليسد بها رمقه، أو بعضا من قيمة لقمة عيشه وأهله.

نحن الصامدون لا أنتم.. ليس الصامد من باتت خزائنه عامرة بالمال و"الإيمان" من حرب ودم وجوع ودموع، ومعاناة شعب منكوب بمن يتسلطون عليه بالغلبة، ويغتصبون حقوقه ويثقلون معاناته بأوزان الجبال الثقال.

الصامد من لم يستطع دفع فواتير الماء والكهرباء التي أثقلوها بالجُرع الثقال، إلا بمشقة النفس وبلوغ القلوب الحناجر.

ليس صامدا من أطفأ الفرح والنور في عيوننا، وأثقلنا بظلمه الثقيل، وظلامه الحالك، وجشع لا تشبعه ولا تكفيه كنوز قارون.

الصامد ليس من قطع رواتب الموظفين، واعتاش على الحرب، واغتنى وتورم بالمال، وعاش على فساد طغى حتى أغرق شعبنا بفقر مدقع وعوز امتص دمه، وتربّح بالحرب والمآسي العراض حتى كاد ينبجس وينفجر فحشا وتورما بدمنا وأقواتنا.

ليس الصامد من أبعجه المال واكتظت به خزائنه في الحرب والخراب والسنين العجاف.

ليس الصامد من قطع أرزاق الناس والرواتب الضئيلة التي تبقيهم على قيد الحياة عندما أثقلتهم الحرب بأوزارها وتقطعت بهم السبل.

ليس الصامد من استولى على رواتب الموظفين وأولهم المعلمون، وفحش بخله، وبخل عليهم بفتات لا نراه حتى بالمجاهر..

فساد يتغول حتى بات مهولا.. سلطات فساد ترعى الفساد وتقويه وتربربه.

شهادة صديقي المقالح تقول: "أعرف شخصيا خمسة أشخاص على الأقل من الصالحين تم إقالتهم.. وأعرف عشرات من الفاسدين تم تعيينهم وإعادة تدويرهم.."

والسؤال هنا من أين ستأتي العافية، والحال يسير بنا إلى هلاك عميم.. فساد مهول حتى الأعمى يراه..

نحن الصامدون لا أنتم.. أنتم تعينون علينا الحرب والجوع والفساد المهول.. تسترزقون حتّى بصمودنا وجوعنا وتتسولون الأمم رغم ما لديكم من وفرة وفحش واكتظاظ مال.. ستصيبكم وتمحقكم عيوننا لا محالة..

نحن نموت جوعا وأنتم تكنزون المال والكنوز، وتفرشون المساجد من جوعنا وأقواتنا لتستولوا على الدنيا والدين ودار الآخرة.. حتى أحلامنا وأوهامنا ودار الآخرة تسرقونها في الدنيا مرتين.

يجب أن يعاد تعريف كل شيء..

لا لتزييف الوعي.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك

المقالات

آخر الأخبار