تحقيقات

نفوذ مليشيا حزب الله الذي تجاوز لبنان ووصل إلى واشنطن

اليقين

كثف حزب الله، في السنوات الأخيرة، أنشطته خارج حدود لبنان، حيث شهدت كل من العراق واليمن، خاصة سوريا، الأنشطة الأكثر وضوحا في الشرق الأوسط.

وأيضا، تم إحباط المؤامرات في أميركا الجنوبية وآسيا وأوروبا، وربما حاليا في الولايات المتحدة، بحسب ما نشره الموقع الإلكتروني لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

"ليست جديدة"

وذكرت المجلة في تحقيق موسع قام بإعداده ماثيو ليفيت مدير برنامج شتين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حول أنشطة حزب الله وعملياته الخارجية، أن التقارير حول نشاط حزب الله في أميركا الشمالية ليست جديدة على الرغم من أن مثل هذه التقارير كانت تميل في الأغلب الأعم إلى التركيز على جمع التبرعات والتمويل للتنظيم وغسل الأموال والمشتريات أو غيرها من الأنشطة اللوجستية بداية من فانكوفر ووصولا إلى ميامي. لكن في الشهر الماضي، كشفت الملاحقة الجنائية والإدانة في نيويورك لعضو حزب الله علي كوراني عن معلومات جديدة تثير القلق حول مدى تغلغل عمليات وأنشطة حزب الله في الولايات المتحدة وكندا.

علي كوراني

دفع اعتقال كوراني عام 2017 وعميل آخر في حزب الله هو سامر الدبيك، مجتمع الاستخبارات الأميركي إلى إعادة النظر في تقييمه طويل الأمد بأن حزب الله من غير المرجح أن يهاجم الأراضي الأميركية ما لم يترسخ لدى قياداته يقينا بأن واشنطن تتخذ إجراءات تهدد وجود التنظيم أو مصالح الدولة الراعية له وهي إيران.

بعد اعتقال كوراني ودبيك، قال مدير المركز الأميركي الوطني لمكافحة الإرهاب في أكتوبر 2017: "إن تقييمنا (الولايات المتحدة) بأن حزب الله عازم على منح نفسه خيارا محتملا في الأراضي الأميركية كعنصر حاسم لتنفيذ عملياته الإرهابية".

في ذلك الوقت، أعلنت معلومات قليلة من المعلومات الأساسية التي أدت إلى هذا التقييم الجديد، ولكن في 16 مايو الماضي، أصدرت هيئة محلفين في نيويورك أحكاما بالإدانة في جميع التهم الواردة في عريضة الاتهام ضد كوراني، بما في ذلك التهم الإرهابية المتعلقة بمراقبته لمكتب التحقيقات الفيدرالي ومكاتب الخدمة السرية الأميركية، فضلاً عن ترسانة الجيش الأميركي في مدينة نيويورك، بينما لم يتم تقديم دبيك للمحاكمة حتى الآن.

خلية نائمة

نفذ كوراني جرائمه، كعنصر في وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في حزب الله، معروفة باسم "منظمة الجهاد الإسلامي IJO"، والتي اشتملت على تحديد هوية الإسرائيليين في نيويورك، الذين يمكن لعناصر ميليشيات حزب الله استهدافهم والوصول إلى أشخاص يمكن شراء أسلحة منهم وتخزينها في المنطقة.

وأيضا، نفذ كوراني معظم المهام المكلف بها في الولايات المتحدة، لكن حزب الله أرسله أيضا إلى الصين، حيث سبق أن قام حزب الله بشراء مواد كيمياوية تستخدم في صنع قنابل من النوع الذي سبق استعماله في بلغاريا وقبرص وتايلاند.

وأسفر تفجير عام 2012 في بورغاس في بلغاريا، عن مقتل 7 أشخاص، بينهم منفذ التفجير و32 جريحا، وتم العثور على آثار مواد كيمياوية تفجيرية من نفس النوع في تايلاند عام 2012 وفي قبرص عامي 2012 و2015، حيث أحبطت مخططات لعمليات تفجيرية هناك. كما أرسل حزب الله كوراني في مهام إلى كندا.

ووصف كوراني نفسه في مقابلات مع عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه جزء من "خلية نائمة".

الترتيب لعمليات مستقبلية

وقال مساعد المدعي العام الأميركي للأمن القومي جون ديمرز: "أثناء تواجده في الولايات المتحدة، انخرط كوراني كعميل نشط في حزب الله لمساعدة المنظمة الإرهابية الأجنبية على الإعداد لهجمات مستقبلية محتملة ضد الولايات المتحدة".

وشمل المهام التي قام بتنفيذها رصد ومراقبة بنايات تضم مكتب التحقيقات الفيدرالي والمكتب الأميركي للخدمة السرية في مانهاتن، بالإضافة إلى مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك، وترسانة تابعة للجيش الأميركي.

عائلة معروفة

ينتمي كوراني إلى عائلة معروفة في دوائر حزب الله، والتحق أولاً بمعسكر تدريب لحزب الله عندما كان مراهقا، لكن الجماعة جندته فقط في صفوف وحدة العمليات الخارجية التابعة لها، والمعروفة اختصارا باسم IJO وباسم الوحدة 910 في يناير 2008، قبل شهر من اغتيال قائد IJO عماد مغنية، الإرهابي بميليشيات حزب الله والمدرج لفترة طويلة على قوائم المطلوبين دوليا، والذي تم اغتياله في إطار ما تم الكشف عنه لاحقا بأنه عملية أميركية إسرائيلية مشتركة.

الزمان والمكان المناسبان

وترجع أهمية توقيت كوراني إلى كونه يكشف أن حزب الله كان يتطلع قبل اغتيال مغنية إلى إعادة بناء شبكاته الإرهابية الدولية.

وتعد خطوة مهمة أيضا لأنها تضع كوراني في المكان المناسب بالوقت المناسب.

كما أن الأمين العام للميليشيات، حسن نصر الله، من خلال مقطع فيديو تم بثه في جنازة مغنية، أصدر تهديدا علنيا تبعته هجمات في الخارج، قائلاً: "مع هذا الاغتيال، توقيته وموقعه وطريقته، أقول للصهاينة: إذا كنتم تريدون هذا النوع من الحرب المفتوحة، فليسمع العالم كله: فلتكن هذه الحرب مفتوحة".

وبعد ذلك بوقت قصير، بدأ عمل كوراني السري لحساب IJO في الخارج.

وقال كوراني لضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي، إن حزب الله "كان يسعى بكل السبل للثأر بنفس الأسلوب لمقتل مغنية".

أكثر نشاطاً في كندا

كما حذر كوراني، في سياق الاعترافات التي أدلى بها لعملاء FBI، من أن حزب الله ووحدة IJO التابعة له "أكثر نشاطا في كندا عن الولايات المتحدة".

وفي الواقع، احتلت كندا مكانة كبيرة في خطط كوراني التشغيلية.

وفي عام 2012، تزوج من مواطنة كندية لبنانية مزدوجة الجنسية، التي ابتعد لاحقا عنها هي وأولاده منها، ولكنه أوضح لـFBI أنه آنذاك ناقش مع قائده في حزب الله الفائدة العملية المتمثلة في إقامة روابط عائلية في كندا، على وجه التحديد، حيث "لن يثير الشبهات إذا كان يسافر إلى كندا بشكل منتظم".

ضابط الاتصال فادي كساب

وتشير التحريات إلى أن كوراني وضابط الاتصال المسؤول عنه في وحدة IJO ناقشا إمكانية نقل كوراني للمراسلات أو توصيل المعلومات إلى نشطاء في كندا، وهي الأعمال التي ينكر كوراني القيام بها. لكن الاثنين ناقشا بالتحديد مهام التجسس التي سيقوم بها كوراني، لتمرير رسائل إلى حزب الله عبر العملاء في كندا.

تلقى كوراني تدريبا جيدا على أساليب الوحدة 910، لاسيما أن ضابط الاتصال المسؤول عن تشغيله في IJO كان فادي كساب، وهو الرجل الذي اعترف كوراني في تحقيقات FBI بأنه "مسؤول عن عملاء IJO في كل من الولايات المتحدة وكندا، وأنه أيضا قام، رغم تمركزه في لبنان، بأدوار تشغيلية في هجوم حزب الله في بلغاريا عام 2012".

مطار نيويورك وبيرسون

تضمنت المهام، التي كلف حزب الله كوراني بتنفيذها، جمع معلومات مفصلة عن مطارين دوليين هما مطار جون كنيدي في نيويورك ومطار بيرسون الدولي في تورنتو.

وبناء على وثائق سفر كوراني، كشف ممثلو الادعاء الأميركيون أنه سافر عبر مطار نيويورك 19 مرة وعبر مطار بيرسون 7 مرات.

واعترف كوراني في تحقيقات FBI أنه قدم لحزب الله تفاصيل حول الإجراءات الأمنية والزي الرسمي الذي يرتديه ضباط الأمن، وما إذا كان الضباط مسلحين أم لا.

كما أنه ركز رصد أماكن نقاط الخروج ونقاط التفتيش الأمنية ومواقع الكاميرات وإجراءات استلام الأمتعة وما هي الأسئلة التي يطرحها ضباط المطار على الركاب.

الشيشة وسيلة تجسس

وبالإضافة إلى المعلومات التي حصل عليها كوراني بنفسه، اعترف أيضا بأنه حصل على معلومات من بعض موظفي المطار الذين فهم بعضهم أنهم كانوا يقدمون معلومات لحزب الله بينما لم يدرك آخرون الفخ الذي وقعوا فيه.

على سبيل المثال، أرشد كوراني FBI عن أحد الموظفين في مطار بكندا، والذي يبدو أنه قدم عن غير قصد معلومات إلى كوراني عن أمن المطارات الكندية.

استغل كوراني أن الموظف يدخن الشيشة وكان يجري دردشة معه أثناء تدخينهما الشيشة معا، وقام موظف المطار بالإجابة عن أسئلة كوراني حول مواقع الكاميرات ومقاييس المغنطيسية.

وسخر كوراني قائلا إنه يمكن أن يطلب من الرجل حمل حقيبة على متن طائرة لصالحه، وسوف يفعل ذلك، بحسب تعبيره.

ووفقا لمرافعة المدعي العام الأميركي أثناء المحاكمة، كان حزب الله "يفكر في كيفية مرور الإرهابيين والأسلحة والمواد المهربة عبر المطارات، من لبنان إلى كندا، ومن لبنان إلى الولايات المتحدة".

نقطة التحول

في تسعينيات القرن الماضي، قللت وكالات الاستخبارات الأميركية من احتمال قيام حزب الله بمهاجمة المصالح الأميركية، ما لم تهدد واشنطن حزب الله مباشرة.

في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأت الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب في التأثير على حزب الله.

بعد مرور عام، أبلغ FBI الكونغرس في عام 2002 أن عملاء حزب الله "تم تكليفهم بمراقبة الأهداف المحتملة في الولايات المتحدة".

ولكن في تلك الحالات الماضية، حددت تحقيقات FBI أن "هذه المهام حتى ذلك الوقت، يبدو أنها كانت تهدف إلى التحقق من ولاء الفرد لحزب الله وإيران".

بعد 6 سنوات، تم اغتيال مغنية، وتم تجنيد كوراني في IJO. بحلول ذلك الوقت، اتخذت مهام المراقبة التابعة لـ IJO تداعيات أكثر عملية بكثير بسبب رغبة حزب الله في الثأر والانتقام لمقتل مغنية. وتغيرت أهداف حزب الله بشكل كبير بين عامي 2002 و2008.

إيقاظ الخلايا النائمة

ويتضمن تحقيق "فورين بوليسي" تفاصيل من اعترافات كوراني، التي أدلى بها لـFBI، والتي قال فيها: "هناك بعض السيناريوهات التي تتطلب اتخاذ إجراء أو تحركات من جانب أعضاء الخلايا النائمة"، مشيرا إلى أنه إذا حدثت حرب بين الولايات المتحدة وإيران، فإنه من المتوقع أن يتم إيقاظ الخلية النائمة في الولايات المتحدة.

وقال كوراني إنه في حالة خوض الولايات المتحدة وإيران الحرب فإنه إذا قامت واشنطن ببعض الإجراءات غير المحددة، التي تستهدف حزب الله أو حسن نصر الله نفسه أو المصالح الإيرانية، "فإنه وفقا لتلك السيناريوهات، ستنطلق الخلية النائمة أيضا".

تهديد المصالح الإيرانية وحصار حزب الله

وتشير "فورين بوليسي" إلى قيام الولايات المتحدة، بالطبع، باتخاذ إجراءات تتعارض مع المصالح الإيرانية وحزب الله، مثل الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، وفرض عقوبات شاملة على إيران، ومعاقبة حزب الله، والمشاركة في اغتيال عماد مغنية، على سبيل المثال لا الحصر، ولم ينفذ نشطاء IJO قط أي تفجير أو إطلاق نار في أميركا الشمالية.

إحباط مؤامرات في أميركا الجنوبية

تم إحباط مؤامرات حزب الله على مدى السنوات القليلة الماضية في بيرو وبوليفيا، لكن الكشف عن قيام حزب الله بنشاط مراقبة مكثف في الولايات المتحدة وكندا خلال السنوات القليلة الماضية، يرتبط بشكل صريح بميليشيات حزب الله، التي تعد نيتها الثأر والانتقام بالمثل لمقتل مغنية مثارا للقلق.

لقد تجاوز حزب الله العتبة وهو، على الأقل، يطور شبكات أميركا الشمالية القادرة على تنفيذ الهجمات إذا رأت قيادة الجماعة أنها ضرورية.

تحقيقات

آخر الأخبار