اليقين
المقالات

الـ 17 من يوليو ومراحل التحول

اليقين

كتب/ مصطفى المخلافي

قبل يوم السابع عشر من يوليو كانت الجمهورية العربية اليمنية متواجدة في العاصمة صنعاء فقط، ونفوذها محصور في أماكن معدودة ولا وجود لملامح الدولة في باقي مدن ومحافظات الشمال، وبعد إنتخاب المقدم علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية العربية في الـ 17 من يوليو 1978م، من قبل مجلس الشعب التأسيسي، شهد اليمن الشمالي تحولاً سياسياً كبيراً على كافة الأصعدة، حيث أسس الرئيس علي عبدالله صالح لدولة النظام والقانون وبسط نفوذ الدولة على كامل التراب الوطني وعمل على القيام بمسؤولياته والتزاماته تجاه ما تتطلبه المرحلة وما يطمح إليه اليمنيين

إن ذكرى الـ 17 من يوليو يُعد منعطف تاريخي مهم في تاريخ اليمن والمنطقة العربية برمتها الذي نقل اليمن من عُزلتها الدولية وصراعاتها الداخلية إلى التنمية والإنفتاح نحو دول العالم التي باركت قيام دولة الجمهورية العربية

لم يكن يوم السابع عشر من يوليو يوماً عادياً بل كان حدثاً تاريخياً ووطنياً هاماً، شكل علامة فارقة لمراحل عديدة من التنمية المستدامة والعمل الدؤوب الذي أفضى إلى ولادة عهد جديد لدولة عانت من ويل الصراعات الإمامية الرجعية والتعقيدات السياسية لقرون من الزمن، هذا وتؤكد الأرقام على الأرض أن الرئيس علي عبدالله صالح نقل بلداً مفتتاً وممزقاً ومثخناً بصراعات لا نهاية لها وبجراحات الفقر والجهل والمرض إلى بلد ينمو بعجلة التنميه في مهمة شبه مستحيلة، فكان لليمن ماكان من تقدم وإزدهار في حقبة زمنية قصيرة جداً غيرت نظرة الإقليم والعالم نحوها وجعلت من اليمن دولة ذات سيادة وقيمة وجودية لم تحظى بها من قبل

لقد أصبحت السياسة اليمنية في ظل قيادة الرئيس علي عبدالله صالح محوراً فكرياً في عهد اليمن المعاصر مهما تنوعت مواضيعها وتعددت أبعادها الإجتماعية والواقعية، حيثُ جنحت سياسة البلد إلى الحداثة والتنويع في مناقشة الكثير من الملفات العربية والمحلية، وعبرت عن الأطروحة السياسية لشكل النظام السياسي في اليمن بطريقة مباشرة، لذلك نقول: بأن السياسة في اليمن كانت حاضرة في كل الخطابات التي تعكس نثرية الواقع والتفاوت الإجتماعي وأذابت تناحر العقائد والإيديولوجيات وركزت على الرهان السياسي من خلال نقد الواقع السائد وتصحيح الأخطاء وإستشراف الممكن السياسي

إستطاع صالح خلال أولى مراحل حكمه أن يُقرب جميع وجهات النظر بين الأطراف المتناحرة التي ظلت على خلاف طوال فترات تعاقب حكم رؤوساء اليمن السابقين، وهذه الخطوة كانت بمثابة نقطة إنطلاق لترسيخ وتجسيد روح الإخاء والمحبة بين الفرقاء السياسيين والعمل تحت مظلة الدولة، وكان لابد من حل مثل هذه العُقد والعراقيل لضمان بسط الدولة نفوذها على كامل أراضيها، وفعلاً وبعد تجاوز الخلافات الداخلية بدأ إنتشار الأمن في أرجاء البلد وبدأت ملامح الدولة تظهر في العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية، وبدأ تدشين المشاريع من طرق ومصانع وكهرباء ومياة، ودخول اليمن في سوق النفظ والغاز العالمي وفتح المجال للإستثمار المحلي والأجنبي وإقرار حرية الإقتصاد اليمني، وبدأ العمل في قانون الصحافة والمطبوعات والسماح لها بالنشر، ثم إقرار حرية تأسيس الأحزاب والمنظمات الجماهيرية، وأصبح لليمن حدودها المعروفة وإتفاقيات حدودية مع دول الجوار، لتحقق الجمهورية العربية بقيادة صالح فضاء الحرية والتعددية السياسية وتدفن عقود من الجهل والتخلف خلفها

ولعل أبرز ما حققه الرئيس علي عبدالله صالح في مسيرته التي توصف بالمسيرة الذهبية مقارنة بمن أتى من بعده تحقيق الوحدة اليمنية المُباركة، والإستقلال بالقرار السياسي لليمن، وبناء جيش وطني قوي، ونهج ديمقراطي بسقف عالي جداً وتداول سلمي للسلطة وتعددية حزبية وسياسية ضمنت للجميع حرياتهم وحقوقهم

وحين بلغت تجربة الديمقراطية في اليمن شأناً محلياً وإقليمياً ودولياً في مقاربة قضايا المجتمعات العربية الحساسة كقضايا الحرية والسلطة والتحزب والمشاركة السياسية وسواها، كانت العديد من الأنظمة تتخذ تجربة اليمن نموذجاً يحتذى بها، هذا لأن النظام السياسي لليمن إتخذ من سياسته مساراً وطنياً يتمثل في مجابهة الجماعات المتطرفة التي إستهدفت تغريب المجتمع العربي وإستغلاله وتجهيلة وإفساده، كما أتخذ مساراً قومياً للدفاع عن القضية الفلسطينية والدعوة إلى الوحدة العربية والإسلامية، وكان اليمن حاضراً في كل المحافل الدولية بصوته العربي العالي الذي كان واقعياً في نقد القضايا الشائكة والحقوق المهدوره ويوجد الحلول، ويبرع في تشخيص الواقع السياسي للمنطقة ويعالج بأطروحاته، الإنتهازية الوصولية، وإنتهاك حقوق الإنسان للمواطن العربي

وبعد تسليم الرئيس علي عبدالله صالح السلطة سلمياً، شهد اليمن تعفن على جميع المستويات ولا سيما المستوى السياسي، نظراً لغياب حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية وإفراغ المجتمع من نخبه وكوادره، وفشل كل التجارب والحلول السياسية المستوردة، وتفشي ظاهرة الإنتهازية الوصولية والتسلق المنفعي على حساب المبادئ والقيم الكيفية، وتوالي هزائم هادي والعليمي ونوابه وكذا ميليشيا الحوثي والإنتقالي، وإنتشار القمع بشكل مستمر، كل هذا وأكثر جعل السياسة في اليمن تعكس هذا الواقع بطريقة بارودية ومحاكاة ساخرة قائمة على السخرية والنقد والفضح والهجاء وتعرية الذات والساسة معاً

المقالات