”شهادة أستحقاق لعهد الرئيس الصالح”


د. طه حسين الهمداني
ثلاثة وثلاثون عامًا ليست قصيرة في عمر الزمن، ولا في حياة الشعوب إذا ما وُضعت في ميزان التقييم العادل والإنصاف الموضوعي.
تلك هي أعوام حكم الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، التي تمكن فيها اليمنيون من إرساء أسس دولة حقيقية، مهابة في الإقليم، تحترم طموحات شعبها، وتحافظ على سيادة الوطن وكامل التراب اليمني وسيادته برا وبحراً وجواً ، كما حافظت على كرامة الإنسان.
من كان ينتقد بعض جوانب القصور في عهده، بات اليوم يترحم على تلك الأيام، ليس فقط لأنه ذاق ويلات من خلفوه، بل لأنه أدرك – متأخرًا – أن ما اعتبره يومًا سلبيات أصبح بمقياس الكارثة التي نعيشها اليوم مزايا لا تُقدَّر بثمن.
لقد غادر الرجل الحياة مضرجًا بدمائه، رافضًا الهرب أو اللجوء إلى المنافي، متمسكًا بوطنه حتى اللحظة الأخيرة، مستقبلًا الشهادة بشجاعة، ومودعًا وطنًا أحبه وأخلص له حتى الرمق الأخير.
ومن أراد أن يقارن بين مرحلتين، فهو كمن يقارن بين النجاح بكل ما فيه من أخطاء، وبين الفشل الكامل الذي لم يُبقِ من الدولة سوى اسمها. فقد كنّا نعيش في ظل دولة ذات سيادة، لها دستورها ومؤسساتها، تتبدل حكوماتها بوسائل دستورية، وكان للإعلام صوت حر، وللمواطن حق النقد والانتخاب دون خوف أو قمع.
كان المواطن اليمني يتقاضى راتبه الشهري بانتظام في اليوم الخامس والعشرين، وكانت الخدمات – رغم التحديات – موجودة: تعليم، صحة، أمن، وبنية تحتية تمتد إلى أقاصي القرى. أما اليوم، فلا رواتب ولا تعليم، ولا دولة ولا قانون، بل فوضى، وانهيار شامل، وفقدان للثقة في المستقبل.
اعترف رئيس الحكومة الشرعية مؤخرًا بأن الشرعية مفلسة، مثقلة بالفساد، وعاجزة عن تلبية أبسط متطلبات الدولة. وهذا وحده يكفي للتأمل في حجم التحول المؤلم الذي أصاب اليمنيين.
لقد كانت سنوات حكم الرئيس صالح أزهى عهود اليمن منذ فجر التاريخ، إذا ما قورنت بحقب الإمامة، أو الفترات الانتقالية المرتبكة، وصولًا إلى لحظة الانهيار الكامل بعد عام 2011، وتسليم مفاتيح الدولة لجماعة الحوثي الانقلابية.
في عهد صالح، كان اليمني مكرمًا، مهاجرًا أو مقيمًا. وكانت الدولة تبني المدارس، وتشيّد الجامعات، وترصف الطرق، وتؤسس المستشفيات، وتنشئ مراكز صحية في أبعد القرى. وكانت هناك حركة تنموية واقتصادية ملحوظة، وإن لم تكن مثالية، لكنها كانت واعدة.
أما اليوم، فقد صار اليمني خائفًا على حياته وكرامته، في وطن يعبث به سلاح المليشيا، ويديره من لا يؤمن بالدولة، ولا يعرف من السياسة سوى لغة الغلبة.
من كانوا يتقاتلون على مستقبل الوطن أصبحوا يتصارعون على المناصب والمصالح، بينما كان علي عبدالله صالح – برغم كل التحديات – يسعى دائمًا إلى التهدئة، ويطفيء نيران الصراعات، ويقرب الخصوم، ويضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار.
لقد آمن أن اليمن، رغم الخلافات، وطن يتسع للجميع، وأن الحوار والحكمة هما السبيل لتجاوز الأزمات، فكان يراقص الثعابين إن اقتضت المصلحة، ويحتكم للعقل والواقعية في مواجهة العواصف.
نحن لا نكتب اليوم سجلًا للمكاسب ولا نعيش على أطلال الأمس، بل نخاطب من لا يزال قلبه مشحونًا بالضغينة: أنصفوا رجلاً خدم بلده ثلاثة عقود، حافظ على وحدتها وسيادتها وأمنها واستقرارها. ولن نطلب منكم أن تتجاوزوه فيما أنجز، فقط أعيدونا وأعيدو الوطن إلى حيث توقف وحافظو على ما أنجز وصونو مكتسبات الوطن وحقوق الشعب اليمني.