اليقين
الأخبار

مقاهي كرة القدم بمصر.. بديل للمدرجات و«مهدئة» الجماهير

مقهى في مصر
مقهى في مصر

تحولت مقاهي العاصمة المصرية، القاهرة، خلال السنوات الأخيرة، من منصة انطلاق جماهيرية لثورة 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلى مدرجات مصغرة لمباريات كرة القدم.

"الهروب من الواقع الاقتصادي المؤلم"، و"متابعة مباريات كرة القدم أمام شاشات المقاهي بعيدًا عن المدرجات التي باتت مفخخة بقوانين تدفع إلى السجن"، سببان رئيسيان يذهبان بمصريين إلى المقاهي، بحسب مواطنين تحدث إليهم مراسل الأناضول.

فيما ربطت أكاديمية مصرية، في حديث لوكالة "لأناضول"، بين "ترويج الأنظمة المتعاقبة لكرة القدم وجعلها جل اهتمام المواطن" من أجل "تفريغ شحنات الغضب تجاهها".

وتواجه روابط مشجعي كرة القدم في مصر اتهامات، ينفونها دائمًا، بإثارة الفوضى بسبب مواقفها المعارضة للحكومات المتعاقبة منذ الثورة، ما دفع العديد من أعضائها إلى استبدال المدرجات بالمقاهي، وفق مراقبين.

في حلقة دائرية أمام شاشة تلفاز ضخمة بأحد المقاهي الشعبية، بحي الدقي (غرب القاهرة)، التف عشرات المشجعين، قبل أيام، يتابعون عن كثب مباراة فريقي الأهلي المصري والترجي التونسي، في بطولة دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم، وسط صمت يتخلله صرخات الثناء أو الذم أحيانًا للاعبي الفريقين، في مشهد لم تخلو منه نقاشات الحديث عن الأوضاع الاقتصادية.


ومع ثبات نتيجة المباراة بالتعادل بهدفين لكل فريق، ازدادت الأمور صخبًا بالمقهى مع اقتراب الدقيقة 90 الجميع وثبوا على مقاعدهم الخشبية يترقبون ركلة ربما تحقق الانتصار المنتظر، دون أن يأتي.

والمشهد السابق، تسميه الأكاديمية هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها (حكومية/ دلتا النيل شمال)، للأناضول "انتصار وهمي يصنعه المتلقي لنفسه، هربًا من واقعه".

وبمجرد انطلاق صافرة نهاية المباراة، انفض الجميع عن المقهى، إلا من بضعة أشخاص، وهو ما يفسره الخمسيني سعيد حمادة، الذي بدا منهكا من وطأة العمل في مقهاه لتلبية طلبات زبائنه بقوله: "ساعة رزق لا تتكرر إلا في المباريات الكبرى".

والأمور في المقاهي لم تعد على ما يرام، كما كانت في السابق بحسب العامل الخمسيني، قائلاً إن "الناس باتوا أكثر فقرًا ويتجنبون المشروبات غالية الثمن، بسبب غلاء الأسعار الذي جعل الغالبية تعاني".

وهو ما يترجمه تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) صادر في أكتوبر/ تشرين أول 2016 بإدراج 27.8% من إجمالي عدد السكان الذي تخطى المائة مليون مواطن، تحت خط الفقر.

ويشير سعيد، لمراسل الأناضول، إلى أن المقهى يمتلئ عن آخره في وقت بث المباريات المشفرة بالذات.

وفي فبراير/ شباط 2012 قررت مصر، منع الجماهير من دخول المدرجات، عقب وقوع اشتباكات عنيفة بين مشجعي ناديي الأهلي والمصري، في ستاد بورسعيد (شمال شرق) أدت لمقتل 72 مشجعًا.

وحاليًا يسمح الأمن المصري بحضور أعداد محدودة من الجماهير تفاديًا لتكرار ما وقع في 8 فبراير/ شباط 2015 حين سقط 22 مشجعًا نتيجة التدافع والاختناق بالغاز الذي أطلقته الشرطة على مشجعي نادي الزمالك المصري، بستاد الدفاع الجوي (شرقي القاهرة)، قبل دقائق من مواجهة كروية مع نادي إنبي في الدوري المحلي لكرة القدم.

وعلى مقربة من شاشة تلفاز، كان يقف محمد الجوهري (54 عاما) والذي يعمل سائقًا بأحد المكاتب الهندسية بالقاهرة متكأ على سيارة استقرت أمام مقهى بحي الدقي، يتابع بشغف تحركات فريقه المفضل.

بابتسامة متهكمة يقول لـ"الأناضول": لم يعد للمصريين غير الكرة ينفسون فيها همومهم"، مضيفا أنه يستغل هذه المباريات للهروب من مطالب زوجته وأبنائه بعد أن أثقلته تكاليف المعيشة.

ويضيف: "المقاهي حلَّت مكان المدرجات ليس فقط لأن المدرجات محظورة بقرارات أمنية منذ العام 2012 وتعود باستثناءات مشروطة، ولكن لأن التكاليف هنا بالمقهى أقل".

وبالترجل قليلا للخروج من حواري "الدقي" القديمة، والدخول لشوارعه الأكثر رقيا، يقف هاني محمود (30عاما) يجمع تكاليف مشروبات المقهى الذي يعمل فيه من الرواد الذين حرصوا على متابعة مباراة ليفربول و إشبيلية بالدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.

الجمع في المقهى بدا كبيرًا، نظرًا لأن المهاجم المصري محمد صلاح، يلعب في صفوف ليفربول، في مشهد مألوف على متابعة مباريات كرة القدم الأوربية التي يحترف بها لاعبون مصريون.

ورغم كثرة رواد المقهي إلا أن العامل يشكوا من تراجع العائد الذي يجنيه، مشيرا إلى أن غالبية الأشخاص لا يتناولون إلا مشروبا واحدا طوال ما يقرب من ساعتين هي عمر المباريات، وهو ما لم يكن موجودا قبل زيادة الأسعار الأخيرة.

ومؤخرًا أقدمت الحكومة إجراءات اقتصادية وتسببت في ارتفاع الأسعار، كان أهمها تحرير سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليصل معدل التضخم بعدها لـ31% في النصف الأول من العام الجاري بحسب الجهاز المركزي للإحصاء(حكومي).


وبالعودة للأكاديمية هالة منصور، تقول إن "الناس إن بعض الحكومات تلجأ لإلهاء مواطنيها بصناعة هالة حول بعض المباريات لتفريغ شحنات الغضب، لذا تجد إحدى الدوريات الرياضية تحظى بحفاوة الجهات التنفيذية والإعلام وبعضها يمر دون الانتباه له".

ويؤيدها "علي الرجال"، الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس (حكومية) بأن "كرة القدم أحد المسارات التي يتخلص بها الناس من غضبهم، إلا أن ذلك ليس سمة المصريين وحدهم بل كل الشعوب كذلك".

ويقول لـ" الأناضول" إن "المصريين كانوا يتابعون مباريات الكرة في أوقات معاناة شبيهة بالوضع الحالي قبل الثورة وحصلت الفرق المصرية على كثير من البطولات، إلا أن ذلك لم يمنع المصريين من الثورة في يناير /كانون الثاني 2011.

وفي يونيو/ حزيران الماضي، وقَّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على قانون جديد للرياضة يشدد العقوبات على شغب الملاعب، يتضمن عقوبات بالحبس تصل إلى عامين، وغرامات تصل لـ20 ألف جنيه (نحو 1100 دولار أمريكي تقريبًا) على من يقوم بأفعال من بينها السب أو القذف، أو استخدم العنف أثناء ممارسة النشاط الرياضي، أو أنشأ أو نظَّم روابط رياضة مخالفة للقانون.

الأخبار