الأخبار

اليمن والتسوية شبه المستحيلة.. ملامح لمرحلة انتقالية!

يمنيون يرفعون علم بلادهم
يمنيون يرفعون علم بلادهم

بالرغم من صعوبة الأوضاع على مختلف الاتجاهات في الأزمة اليمنية؛ حيث تسود الانقسامات والأزمات حتى على مستوى المعسكر الواحد؛ إلا أنه تبقى أن هناك إمكانية لتحقيق اختراق سياسي يصل إلى مرحلة وقفٍ شامل لإطلاق النار بما في ذلك العمليات الجوية، وضمانات أمنية على الحدود بين اليمن والسعودية، وفتح مطار صنعاء لدخول مواد الإغاثة والسماح لقوافل الدعم الإنساني بالوصول إلى جميع أنحاء اليمن.

في هذه الحالة؛ فإن جميع الأطراف في اليمن، سوف تكون عليه مسؤولية وطنية كبرى، وهي وضع خطة واضحة، شرط أن تكون واقعية وقابلة للتطبيق، وتتضمن تنازلات من كلا الطرفَيْن بالشكل الذي يتضمن اعترافًا من كل الأطراف بالواقع القائم الذي يشمل حقيقة مهمة، وهي أن جميع الأطراف الفاعلة على الأرض؛ يجب أن تكون شريكة حكم في عملية سياسية واسعة، تشارك هي في وضع تفاصيلها خلال المرحلة الانتقالية.

وفي حقيقة الأمر؛ فإن هذه الجزئية تتضمن حقيقة يجب أن تعترف بها الأطراف الداعمة للرئيس اليمني المعترف به دوليًّا، عبد ربه منصور هادي، وهي أنه لا يمكن بحال أن تقوم عملية سياسية ناجحة في اليمن، يمكن في نهايتها أن يظل هادي في الحكم بصلاحيات كاملة، أو حتى بهذه الصلاحيات خلال المرحلة الانتقالية.

فبالنسبة للكثيرين من الأطراف التي تسيطر على صنعاء؛ فإن هادي شخصية غير مقبولة، كما أنه لا يمثل جماعة أو حزبًا سياسيًّا، بحيث يشارك من خلال مؤسسته، وليس بشكل مباشر في أية مفاوضات أو ترتيبات للمرحلة الانتقالية؛ حيث ليس له قاعدة سلطة أو تأثير داخل الهيئات المدنية أو الأحزاب أو المؤسسة العسكرية، فهو ظل نائبًا للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وجاء من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ظل يحكم البلاد منذ تأسيسه في العام 1982م، ويرأسه صالح إلى الآن.

كما أن المؤسسة العسكرية اليمنية التي يسيطر عليها إلى الآن الرئيس صالح، خصوصًا قوات النخبة والحرس الجمهوري التي يقودها نجله، أحمد علي صالح؛ لا تكن له أي وُدٍّ في ظل ما قام به من عملية فك وتركيب من أجل ضمان بقائه في منصبه، وضمان السيطرة على القوات المسلحة اليمنية لتحقيق أجندة أهداف لا تتعلق بمصالح اليمن، وإنما بمصالح دول الإقليم الذين أتوا به إلى منصبه.

وبجانب ملف هادي، سوف تحاول هذه الورقة مناقشة ملف الحوثيين، باعتبار أن كلاهما أحد أبرز الملفات التي تعترض طريق إطلاق عملية تسوية شاملة للأوضاع في اليمن، في ظل ارتباط كلَيْها بصُلْب الأزمة والصراع في اليمن، في سياقَيْه؛ الداخلي والإقليمي، بالإضافة إلى المصالحة المجتمعية والسيطرة على الأرض.

 

هادي.. رئيس شرفي في المرحلة الانتقالية!

على مستوى الداخل اليمني؛ فإن هادي من دون شرعية حقيقية في الداخل اليمني، بل إن الكثير من اليمنيين يرونه جزءًا من المشكلة وليس الحل.

وبالتالي؛ فإن أية عملية انتقالية يجب أن تنص، وفي وضوح على أن هادي سوف يكون رئيسًا شرفيًّا لليمن لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، ووضع دستور جديد للبلاد، واستكمال مختلف مؤسسات الدولة الدستورية.

وفي حقيقة الأمر؛ فإنه، ومن دون تحامل عليه؛ فإن هادي بالفعل جزءٌ من المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءًا من الحل.

فلو فرضنا أن بداية الحرب والأزمة في اليمن، كانت اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، ومدن يمنية كبرى أخرى، وسيطرتهم على مؤسسات الدولة في العاصمة، في سبتمبر من العام 2014م؛ فإنه، وفي حقيقة الأمر؛ فإن هذا الحدث يعتبر نتيجة لمرحلة طويلة من تجاوزات هادي، الذي تسلم السلطة في فبراير من العام 2012م، بموجب العملية التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي.

وينقلنا هذا إلى نقطة فشل رئيسية تمارسها الأطراف الإقليمية الداعمة لهادي، وربما باستثناء الإمارات التي تدرك حقيقة خريطة القوة الحقيقية على أرض الواقع في الاتجاهَيْن السياسي والعسكري.

فهادي مارس ذات الخطأ الذي نبهت إليه أطراف كثيرة في الداخل والخارج، إلى أنها تُعتبر العائق الأهم أمام وقف الحرب وبدء عملية سياسية في اليمن، وهي نقطة إقصاء شخصيات وقوى بعينها، بينما هي صاحبة الحظ الأوفر من الشرعية الجماهيرية، والقوة المسلحة على الأرض، مثلما ترفض الرياض أي دمج للحوثيين أو الرئيس السابق، علي صالح، وحزبه، في العملية السياسية.

كما أن هادي انقلب على ترتيبات العملية السياسية التي تضمنتها المبادرة الخليجية التي تم إعلانها في الثالث من أبريل من العام 2011م، والتي اتفقت مختلف الأطراف اليمنية على أنها أساس الحل في اليمن، وبموجبها تم تسليم السلطة إلى هادي ذاته، في الخامس والعشرين من فبراير من العام التالي، 2012م، بالإضافة إلى مخرجات الحوار الوطني اليمني (18 مارس 2013م/ 25 يناير 2014م)، وقرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت في شأن الأزمة اليمنية، وأهمها القرار (2216)، الصادر بتاريخ 14 أبريل 2015م، بعد بدء الحرب في اليمن.

وكان من المفترض بذلك، أن تنتهي رئاسة هادي في فبراير من العام 2014م، ولكن، وفي يناير السابق عليه، وفي نهاية مؤتمر الحوار الوطني، تم التمديد لهادي لمدة عام آخر من قبل مجموعة من مؤتمر الحوار الوطني، تعد مخالفة صريحة للدستور اليمني، ومن بعده مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي جعلت الحكم في البلاد توافقي، وهو لما توافق عليه كافة الأطراف، وكانت تلك سبب رئيسي فيما وصل إليه اليمن الآن، وكرر هذه العملية بحجة أن الظروف والأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد لا تسمح بإجراء انتخابات.

كما أن عملية صياغة الدستور التي كان من المفترض لها أن تتم بواسطة لجنة مختصة من أجل تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار الوطني، وصولاً لمرحلة الاستفتاء الشعبي، ثم إقرار الدستور، والتحضير لإجراء انتخابات عامة في نهاية العملية الانتقالية، بما يتضمنه ذلك من إنشاء للجنة جديدة للانتخابات، وإعداد سجل انتخابي جديد؛ كل ذلك تم تجاوزها من جانبه.

في هذا السياق؛ فإن المرحلة الانتقالية في اليمن يجب أن تتضمن سلسلة من الإجراءات والترتيبات التي تضمن أن يكون هادي صاحب صلاحيات فخرية، بحيث لا يتكرر ما حدث بعد فبراير 2012م، مع كونه هو صاحب قرار الحرب باستدعائه للرياض للتدخل في الأزمة التي وقعت في سبتمبر 2014م وما تلاه.

وبالتالي؛ فقد خلق ذلك حاجزًا نفسيًّا تجاهه، في ظل ما قادت إليه الحرب من ارتباكات في المشهد اليمني، بجانب الكارثة الإنسانية الحالية.

 

الحوثيون وسلاحهم في المرحلة الانتقالية

بخلاف مسألة هادي ودوره خلال المرحلة الانتقالية، فإن هناك عقبة مهمة يجب البحث عن علاج واقعي لها، وهو سلاح الحوثيين ودورهم في مرحلة ما بعد الحرب.

ولعلنا لا نكون مخطئين لو قلنا إن الحوثيين، وليس صالح، هم المشكلة الأهم بالنسبة لأهم طرف يتحكم في قرار الحرب والسلم في اليمن في الوقت الراهن، وهو المملكة العربية السعودية.

فعلى أقل تقدير، فإن الرياض كانت أحد أهم أطراف المبادرة الخليجية التي ضمنت مسألة انتقالي سلمي للسلطة بعد الانتفاضة الشعبية وما تسببت فيه من فوضى في اليمن، في فبراير من العام 2011م، ضمن ما يُعرَف بـ"الربيع العربي"، كما أن الرياض سبق وأن أقامت علاقات جيدة مع صالح طيلة سنوات حكمه، حتى وإن وقعت بعض التوترات خلال بعض الفترات.

ومن بديهي القول، إن الأمر يرتبط بالصراع الدائم بين الرياض وطهران، والذي تفاقم إلى مستوى غير مسبوق بسبب الأزمة اليمنية وسيطرة الحوثيين تحديدًا على صنعاء ومساحات واسعة من اليمن، مع اعتبار الرياض أن الخطوة موجهة لها بالتحديد.

ولعلنا لسنا مبالغين لو قلنا إن أزمة سيطرة الحوثيين على اليمن، وإحساس الرياض أنها تُحاصَر من كل الاتجاهات من جانب حكومات وجماعات موالية لإيران.

وبالفعل؛ فقد ظهرت عن معاهد دولية مثل "كارنيجي" و"بروكينجز"، تقارير ودراسات مشفوعة بخرائط جيوسياسية، وضعت السعودية في صورة المحاصَر من الشمال والجنوب وربما الشرق كذلك بجماعات وأنظمة وحكومات موالية لإيران، كما في سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى النظام القطري في منظومة مجلس التعاون الخليجي ذاتها.

وربما يفسر ذلك العصبية التي تعاملت بها الرياض في واقعة إعدام رجل الدين الشيعي، نمر النمر، في يناير من العام 2016م، للتخلص من إحساسها بأن هذا "الحصار" قد وصل إلى داخل أرضها، من خلال شخصيات موالية للحوزات العلمية الشيعية في إيران، أو بمعنىً أدق، تعمل وفق الأجندة الإيرانية.

وبالتالي؛ فإن المرحلة الانتقالية يجب أن تتضمن مجموعة من الترتيبات التي تضع السلاح الحوثي، ووجود الحوثيين السياسي في الإطار اليمني، بعيدًا عن أية ارتباطات إقليمية أخرى.

وبالتالي؛ يمكن الرجوع في هذا الصدد إلى مقترح تقدمت به الأمم المتحدة من خلال مبعوثها إلى المنطقة، إسماعيل ولد الشيخ، في مارس الماضي، من أن الحوثيين يعملون على تسليم سلاحهم إلى الجيش اليمني ودمج عناصرهم في القوات النظامية، ولكن مع الوضع في الاعتبار أن يكون الجيش اليمني وقوات الأمن ومختلف الأجهزة التابعة؛ في إطار إشراف لجنة أمنية وعسكرية مؤقتة يكون ممثلاً فيها مختلف الأطراف الفاعلة على الأرض.

وتشمل هذه الترتيبات مراقبة الأوضاع الأمنية على الأرض، وعدم تحريك أية قوات من دون معرفتها، واقتصار العمليات على الأرض على عمليات التأمين ومكافحة الإرهاب، ومنع عناصر تنظيمات مثل "القاعدة "و"داعش"، من السيطرة على مناطق جديدة، لأن ذلك من شأنه الحيلولة دون بسط سيطرة الدولة ومؤسساتها الأمنية والإدارية على كل أرجاء اليمن.

وتعود أهمية هذه الخطوة في أنها سوف تكون بمثابة خطاب طمأنة وضمان للرياض، وفي نفس الوقت لا تضع الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية تحت إشراف هادي، لضمان عدم تكراره ما قام به خلال الفترة التي تلتْ تسلُّمه السلطة في فبراير 2012م، في المؤسسة العسكرية.

السيطرة على الأرض والمصالحة المجتمعية

بلا شك؛ فقد قاد الصراع في اليمن – مثل أية حالة مماثلة – إلى شكل من أشكال الانقسام المجتمعي، وبالتالي؛ فإن أحد أبرز المهام المطلوب أن تتم خلال المرحلة الانتقالية.

وفي هذا الإطار، ومع ضرورة تأسيس لجان متخصصة في هذا الأمر، تتكون من وجهاء المناطق وقادة القبائل والعشائر المحلية، مع شخصيات سياسية من مختلف الاتجاهات؛ فإنه ينبغي التأكيد على أن المصالحة السياسية، أو على الأقل البدء فيها؛ سوف تقود إلى قطع نصف الطريق في هذا الاتجاه.

ولعله ليس رابطًا واهيًا كما قد يتصور البعض، وإنما على قدر كبير من المتانة، أن نقول بأن هناك علاقة تبادلية طردية بين المصالحة السياسية والاجتماعية، وبين قدرة الدولة الجديدة في بسط سيطرتها على الأرض في مختلف أنحاء اليمن.

فالقبول المجتمعي سوف يكون له دور في مساعدة الأجهزة الأمنية والمحلية على العودة إلى العمل، ولاسيما في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار مباشرة، التي هي الأكثر حساسية وأهمية في مسألة ضرورة عودة أجهزة الدولة في العمل، في ظل الحاجة الماسة للمواطنين في كل محافظات اليمن للجهود الإنسانية، ومتابعة وصول مواد الإغاثة، ومحاصرة وباء الكوليرا، وما اتصل بذلك.

ومن دون تعاون المجتمعات المحلية في هذا المجال؛ فإنه لن يمكن تحقيق إنجاز سريع مطلوب في هذا الاتجاه.

كما أن ذلك الملف يتصل بدوره بقضية مساعي بعض الأطراف إلى الانفصال أو نيل حكم ذاتي لمناطقهم، مثلما يحدث في عدن، وفي حضرموت.

وبالتالي؛ فإن المصالحة السياسية والمجتمعية، وما سوف تساعد عليه من بسط لسلطة الدولة، وعودة الأجهزة الحكومية للعمل – بالتعاون مع الأحزاب السياسية والقوى الرئيسية المنظَّمة – سوف يعالج شطرًا كبيرًا من هذه المشكلة، والتي لا يخفى على أحد أنها تلقى بعض الدعم من قوى إقليمية ودولية، كما أشار التقرير الأخير لمجموعة الأزمات الدولية عن اليمن.

وفي الأخير؛ تبقى ضرورة الإشارة، إلى أن الإرادة السياسية لدى مختلف الأطراف، وترتيب الأمور بالكامل قبل إطلاق أية عملية سياسية في اليمن؛ سوف يكون له أبلغ الأثر في إعداد اليمن لعودة الدولة، خلال المرحلة الانتقالية، ومن دون إرادة كل الأطراف، واعترافها بالأمر الواقع؛ فإنه لن يكون هناك أية جدوى لأية جهود!

الأخبار