اليقين
إنسانيات

رسالة عاجلة من بطل في المترس ...

اليقين

أظن الليلة هي أولى ليالي البرد ، هل تشعرون بذلك !؟ ربما ...
شعرت بذلك منذ ساعات و أنا ساهر في مترسي بالجبهة مع بعض رفاقي ..
مرت خمسة أعوام منذ التحقت بالمقاومة كي أدافع عن هذا الوطن ..
تركت قريتي و مصدر رزقي خارج المدينة و التي لا زالت تجثم الميليشيات الحوثية عليها حتى اللحظة ..
تركت أمي و أهلي ، تركتهم و وعدتهم ألا أعود إلا و فوق عنقي يرفرف علم الوطن لا علم الصرخة !
يوم قررت الرحيل للذود عن وطن وصفني معظم أهل القرية بأنني ( إصلاحي ) !؟
و كأن الله لم يخلق لهذا الوطن غير الإصلاحي كي يذود عنه !!
آخ لو يعلمون معنى كلمة ( وطن ) ، و أنه أكبر مما يصفون !!

لا أكذب عليكم أنني كثيراً ما أبكي كلما سمعت صوت أمي في الهاتف و هي تدعو لي و تصف مدى شوقها لي ..
آح يا أُماه ، ليتها الريح الباردة تنقل لي الآن و لو قليلاً من رائحة قدميك !
أمي ، كل حياتي كهذا لوطن ، محرم عليا رؤيتها أو زيارتها منذ ذلك الحين ، الواشون في قريتنا كثيرون و بالامكان القبض عليا إن غامرت و فكرت بزيارتها ..
أتذكر و أنا في القرية حين كنت أعمل قلت يومها لأمي : لن تمضي سنتين إلا و في حضني عروسة !!
و الآن هاهي قد مضت عليا خمسة أعوام و لا شئ في حضني سوى البندقية !
قد يصفني بعضكم بالمغفل لما صنعته يداي !!
غير أنه إن كان لا يعلم ، لولا المغفلين مثلي ما كانت الأوطان و لما كان هناك أحرار ..
يوم رحلت من قريتنا كنت أظنها شهور و تعود الجمهورية على أكتافنا ، لكنها أصبحت سنين و لا أظنها ستمتد إلى عقود ..
جرحت في المعارك مرتين ، كنت أرى أهل الجرحى لرفاقي يزورون جرحاهم و أنا لا أهل لي سوى بعض الرفاق في الجبهة ..
ها أنذا اللحظة في مترسي صامد أنتظر لحظة العودة ، العودة بالنصر و الحرية إلى قريتي و الوطن ، لن يصيبني الخنوع أو الملل و إن أمتد الأمر حتى يوم القيامة ! ..
هذه فطرتي و هذه عقيدتي ، لا تحاول معي ، أنا لست كبعضهم ، مثلي لا معنى للحياة له في ظل الظلم أو الإمتهان لكرامته ، لأجل ذلك أنا هنا ..
و بالرغم ما أعانيه من برد و جوع و قلة حيل إلا أن حُلمي الأعظم إستعادة وطن و إن سقط هذا الجسد شهيداً لأجل ذلك ..
كم سمعت و كم قرأت عن بذخ البعض من كبار قادتنا و أننا نحن من نضحي و هم من يحصدون ، غير أنني لا آبه لكل ما أسمع ، أنا غايتي أعلى و أسمى كثيراً مما هم منشغلون فيه و ألا لما خرجت من قريتنا إلى هنا منذ البداية ..

لأجل ذلك فلتعلم يا من تقرأ سطوري في هذه اللحظات و لا غرور مني أو منة عليك ، نعم أنت يا من على سريرك تبحث عن الدفئ و آمن بين أهلك و صغارك ، أنه لولاي أنا و مثلي الكثيرون هنا في المتارس لكانت الميليشيا في هذه اللحظات تعبث بحياتك و تستعبدك ..
أنا و مثلي الكثيرون لا ننام حتى الصباح ، نلتحف البرد نحرس المدينة في الظلام رغم ما حولنا من ثعابين و عقارب ، حشرية و منها و بشرية ..
تأكل الأيام و الجبال أيامنا و لا يعلم ما بصدورنا من وجع إلا الله ..
مرت علينا وجوه الكثير ممن استشهدوا نتذاكر في متارسنا لحظاتنا معهم و نتوقع أي لحظة لقاءهم ..
و أخيراً ....
ما أرجوه من البسيط منكم هو الدعاء لنا بالثبات و النصر ..
و من الميسور منكم أن يجود مما أعطاه الله و لو بالقليل ..
إياك أن تسخر و تصف طلبي هذا منك ب ( الشحاتة ) ..
إن رابطت معنا هنا فقط ليلة واحدة و رأيت كيف حالنا لعرفت سر طلبي هذا و لربما بكيت والله !
نحن المرابطون في المتارس عزيزون ، فبادر أنت و تلمس طريقنا ..
إحتياجاتنا كثيرة ، لا تنتظر أو تظن اننا سوف نأتي إليك ، نحن يا هذا نضع أرواحنا على أكُفنا و نتوقع الشهادة أي لحظة ، ضحينا بكل شئ من أجل الوطن و من أجلك حريتنا و كرامتنا ، و ما يأتي منك قبل قيمته هو بالنسبة لنا دعم معنوي و شعور عظيم لا يمكنني وصفه ، شعور منك بأننا موجودون و أن هناك من يفكر بنا و يهتم لأمرنا ..

ربما الكثير منكم لا يعلم معنى أن يمضي عمرك دون رؤية أهلك ، معنى أن تظل لخمسة أعوام في مترسك تتوقع الموت أي لحظة ..
نعم ، الكثير منكم ، لا يعلم شيئاً عن معاناة الفارس المجهول الذي يحمي ظهره ، غير أننا و رغم ظل سنظل هاهنا في متارسنا صامدون حتى الرمق الأخير نذود عنكم و نسأل الله أن يعجل بساعة الصفر كي نتحرر من قيودنا التي فرضتها لعبة الكبار علينا و التي نحن و أنتم حتى اللحظة ضحيتها ..
دعواتكم ..
#إسنادالجيش_الوطني_واجب_الجميع

إنسانيات