اليقين
الأخبار

خلاف الحوثيين – المؤتمر.. صراع الوحدة والانفصال!

اليقين

شهدت الفترة الماضية أزمة حقيقية بين شركاء صنعاء، من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يقوده الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، تحولت بموجبها هذه الشراكة إلى عداء صريح، وصل إلى ذروته في واقعة اغتيال خالد زيد الرضي، نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الحزب، يوم السبت، 26 أغسطس الماضي، خلال اشتباكات وقعت في منطقة "جولة المصباحي" في العاصمة اليمنية صنعاء، بالقرب من نقطة تفتيش أمنية تابعة للحوثيين.

بل إن صالح قال في في تصريح لقناة "اليمن اليوم"، خلال تشييع الرضي، إن نجله صلاح كان هو المُستَهدَف بالاغتيال عند نقطة التفتيش التي أقامها الحوثيون، وقُتل عندها الرضي، بعد الاعتداء على صلاح علي صالح وتفتيشه وسحب سلاحه، برغم معرفتهم بشخصيته.

مثَّلت هذه الواقعة ذروة الأزمة، التي تفجرت بعد إعلان المؤتمر الشعبي العام إقامة فاعلية جماهيرية ضخمة، في ميدان السبعين، في العاصمة اليمنية صنعاء، شملت نشر آلاف من قوات الحرس الجمهوري، يوم الرابع والعشرين من أغسطس الماضي، بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس الحزب.

الحوثيون فهموا الأمر على أنه رسالة من المؤتمر بأنهم يريدون إثبات الذات، وأنهم يسعون إلى الهيمنة على العاصمة اليمنية صنعاء، بعد العديد من الاتهامات التي وجهتها أوساط من المؤتمر الشعبي إلى الحوثيين، بالانفراد بصناعة قرارات الأزمة والحرب الحالية في اليمن، وتجاوُز شريكهم الأساسي؛ المؤتمر، والذي حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، بل إن رئيس الحزب الحالي، الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح؛ يتولى حكم البلاد منذ ما قبل تأسيس المؤتمر، وأنه هو الرقم الصعب في المعادلة اليمنية، ولم يستطع حتى أعداءه وخصومه داخل وخارج اليمن في تجاوزه، حتى بعد ترْكِه للحكم، إثر الفوضى التي سادت البلاد، في فبراير من العام 2011م.

 

الحرس الجمهوري وقوات النخبة في معادلة القوة اليمنية

في العلوم السياسية؛ هناك معامِلات مُعينة يتم قياسها لتحديد قوة طرف سياسي ما، ومن بينها مدى اتساع قاعدته الاجتماعية، وشعبيته بالتالي، بالإضافة إلى القدرة على الحشد الجماهيري والعسكري، باعتبار أن كلا العاملَيْن من أهم ما يمكن فيما يتعلق بإحكام السيطرة على الشارع وعلى الجبهات السياسية والعسكرية معًا.

في هذا الإطار؛ يُعتبر الحرس الجمهوري وقوات النخبة اليمنية، من أهم عوامل قوة حزب المؤتمر، والرئيس علي صالح.

ولا يُعتير استهداف الحوثيين له وتحرشات لجانهم الأمنية والعسكرية بعناصره، جديدًا من نوعه؛ فهذه الحقيقة – أن الحرس الجمهوري وقوات النخبة، هي عامل راسخ في تشكيل خريطة الأوضاع والقوى على الأرض – معروفة لجميع الأطراف المهتمة بالشأن اليمني، في الداخل والخارج.

ولذلك، كان من أوائل الإجراءات التي اتخذها الرئيس المعترف به دوليًّا، عبد ربه منصور هادي، عندما تولى رئاسة الدولة في العام 2012م، أن أصدر قرارًا بحل الحرس الجمهوري، تحت شعار "إعادة هيكلة الجيش اليمني".

يعود وجود هذه المؤسسة إلى العام 1964م، عندما أسس النظام الجمهوري فيما كان يُعرف في حينه باليمن الشمالي، تشكيل جديد في القوات المسلحة اليمنية، باسم "قوات الحرس الجمهوري"، وكانت في البداية على ذات نسق قوات الحرس الجمهوري المصرية، وتلقت بالفعل تدريبات على أيدي قادة عسكريين مصريين وسوفييت.

وبعد توليه الرئاسة في اليمن الشمالي، في العام 1982م، ثم بعد الوحدة عام 1990م، اهتم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بقوات الحرس الجمهوري، حتى أصبحت قوة ضاربة، تعتبر الأفضل في التسليح والتدريب؛ حيث تتكون من نحو 23 لواءً، وتشمل وحدات للصواريخ والمدرعات والدبابات، بالإضافة إلى وحدات مشاة ميكانيكية.

كما يحظى الحرس الجمهوري بدعم من تشكيل مهم آخر في القوات المسلحة اليمنية، وهي القوات الخاصة أو قوات النخبة، وتضم بدورها 5 ألوية عسكرية متخصصة في العمليات الخاصة ومكافحة الأرهاب، ويتمركز أغلبيتها في العاصمة صنعاء، كما أن هناك لديها لواء في كل من الحُدَيْدة وذمار.

ومنذ العام 2000م، تولى أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس السابق، قيادة قوات الحرس الجمهوري، قبل أن يتولى قيادة القوات الخاصة كذلك، عام 2004م.

وكان الحرس الجمهوري قبل الحرب الحالية التي يشنها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، تنتشر في جميع مناطق اليمن، وخصوصًا في المنطقة الوسطى التي تضم العاصمة صنعاء، وذمار، وحتى الجوف وحرف سفيان، وهي نقطة شديدة الأهمية سوف نشير إليها في موضع تالٍ.

معركة السيطرة على صنعاء و"شمال اليمن"!

في حقيقة الأمر؛ فإن الأمر الآن – بالرغم من التقارير التي تتحدث عن لقاءات على مستوى القمة بين الرئيس صالح وقيادة جماعة الحوثي والتوصل إلى اتفاق لوقف التصعيد – يمكن أن يتم توصيف الوضع بين الطرفَيْن بأنه دخل في منطقة "عض الأصابع"، في إطار معركة السيطرة على السيادة على الأرض وخصوصًا في العاصمة اليمنية؛ حيث مركز صناعة القرار الحقيقي في اليمن، في ظل عدم قدرة هادي وحكومته على ممارسة صلاحياتهم من العاصمة المؤقتة، عدن.

ولو عدنا إلى أبجديات العلوم السياسية والتحليل السياسي؛ فإننا سوف نفهم – من خلال خبرات وتجارب تاريخية عدة – أنه لا توجد في السياسة تحالفات دائمة على أساس عاطفي لو صحَّ التعبير؛ حيث التحالفات السياسية تقوم بين أطرافها على أساس المصالح، وليس أي شيء آخر.

فأي طرف سياسي؛ يبحث عن تحالفات تحقق مصالحه التي ترصدها أجندته، وبالتالي؛ فلو تعارضت التحالفات مع هذه المصالح والأجندات؛ فإن اتجاهات الريح تتبدَّل، وقد تتحول هذه التحالفات إلى عداء صريح.

وفي ظل التحولات التي تشهدها مجالات السياسة والحكم، والتي تزداد – أي هذه التحولات – ارتباكًا وتداخُلاً في حالات الحروب وفقدان الحكومات والأنظمة للسيطرة على الأوضاع على الأرض؛ فإن هذه التحالفات كثيرًا ما تكون عرضة للتحولات أو الفشل بمعنىً أدق.

والحوثيون والمؤتمر ليسا بدعًا من ذلك، ومن المعروف أن الحوثيين اتفقوا مع المؤتمر على أساسيين؛ الأول أن المؤتمر هو خصم خصوم الحوثيين، ممثلين في الرياض وأعوانهم في الداخل، ممثلين في حكومة هادي وما يُعرَف بالجيش الوطني اليمني.

وبمنطق "عدو عدوي؛ صديقي"، فإن الحوثيين مالوا إلى التحالف مع المؤتمر.

الأساس الثاني، هو أن صالح والمؤتمر – في ظل شعبيتهما، وسيطرة صالح على قوات الحرس الوطني والنخبة – لا يزالا هما الطرف الأقوى على الساحة اليمنية، وهو ما لا يمكن إنكاره.

وهنا تعود بنا الأمور إلى نقطة الأصل في هذا التقدير؛ وهو الحرس الجمهوري.

فمن بين أهم مستهدفات الحوثيون رغبتهم في السيطرة منفردين على المساحات الراهنة التي لا يزالوا يسيطرون عليها مع المؤتمر، وهي تمثل في الإطار العام لها، ما كان يعرف باليمن الشمالي فيما مضى قبل الوحدة.

ولكن الحرس الجمهوري وقوات النخبة الموالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، تقف عقبة حقيقية أمام تحقيق هذا الهدف، بجانب أن صالح والمؤتمر يعلنان صراحةً أنه لا تقسيم لليمن مجددًا، بينما من مصلحة الحوثيون تقسيم اليمن، أو على أقل تقدير، قبول الأمر الواقع الراهن، والذي فيه مناطق واسعة مما كان يُعرَف باليمن الجنوبي، تحت سيطرة الطرف الآخر للأزمة، هادي، ومن خلفه الإمارات والسعودية على وجه التحديد.

والحرس الجمهوري هو العقبة الوحيدة ربما أمام جميع الأطراف لكي تحقق أهدافها في اليمن، ومن بينهم الحوثيون بطبيعة الحال.

وبالتالي؛ فإن من مصلحة الحوثيين استمرار الحرب الحالية في اليمن، بل ربما هم الطرف الأكثر استفادة منها؛ لأن توقف الحرب على الوضع السياسي الراهن، معناه أنهم سوف يعودون إلى جبال مران مرة أخرى، من دون أي مكسب سياسي في ظل وجود قوة سياسية وشعبية كبيرة كالمؤتمر، تساندها قوة عسكرية شديدة التنظيم والمهنية مثل الحرس الجمهوري، تقوم عقيدتها القنالية على أساس الدفاع عن وحدة التراب اليمني، كمكتسب عربي شديد الأهمية، وليس يمنيًّا فحسب.

ومن نافل القول، إن التحالف العربي هو القوة العسكرية الوحيدة التي يمكنها أن تهزم الحرس الجمهوري – وفق تقدير الحوثيين – وبالتالي القضاء على العقبة الوحيدة التي تمنعهم من السيطرة على المناطق الراهنة في شمال ووسط اليمن، أو أن يكون لهم وجودٌ أصلاً في مرحلة ما بعد الحرب.

ولقد حاول الحوثيون بالفعل أكثر من مرة إعادة دمج الحرس الجمهوري في إطار وزارة الدفاع وهيئة الأركان اللتَيْن يسيطران عليهما.

ومن بين هذه المحاولات، فعالية باسم "برنامج إعادة تأهيل وبناء وحدات وقوات الحرس الجمهوري"، قادها، في السابع من أغسطس 2016م، رئيس اللجنة الثورية العليا - قبل حلها لصالح المجلس السياسي الأعلى - محمد علي الحوثي، في مقر قيادة قوات الحرس في العاصمة صنعاء.

إلا أن هذه المحاولات لم تُفلِح بطبيعة الحال، في ظل التأسيس السياسي والأيديولوجي لقوات الحرس الجمهوري، والعقيدة العسكرية التي تم تشكيل هذه القوات على أساسها كما تقدَّم.

المجلس السياسي الأعلى.. معركة الظل!

بجانب معركة السيطرة على الحرس الجمهوري، أو تصفيته بمعنىً أدق؛ فإن هناك معركة صلاحيات وسيطرة أخرى تدور في الكواليس، ولكن صوتها وضوؤها يخفتان أمام ضجيج الرصاص والمدافع والغارات السعودية.

تتعلق هذه المعركة بمسألة عدم تسليم الحوثيين للرئاسة الدورية للمجلس السياسي الأعلى.

والمجلس هو هيئة تنفيذية شكلها الحوثيون والمؤتمر، يوم 28 يوليو 2016م، لتسيير شؤون الحكم في اليمن وذلك بديلاً عن سلسلة الإجراءات التي تبناها الحوثيون بعد سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، في سبتمبر 2014م، مثل حل مجلس النواب وإصدار إعلان دستوري – تراجع الحوثيون عن الإجراءين فيما بعد، باتفاق مع صالح والمؤتمر – وتشكيل ما عُرف باللجان الثورية، التي تم حلها عند تشكيل المجلس السياسي الأعلى.

تولى صالح الصمَّاد، الذي كان رئيسًا للمكتب السياسي لجماعة "أنصار الله"، رئاسة المجلس في السادس من أغسطس 2016م، وتسلم السلطة من اللجنة الثورية العليا رسميًّا، بالقصر الجمهوري في صنعاء، في الخامس عشر من أغسطس 2016م.

وفي الرابع من يوليو الماضي؛ أقر المجلس التمديد للصماد ونائبه القيادي في حزب المؤتمر، قاسم لبوزة، لدورتَيْن رئاسيتَيْن جديدتين، فيما كان من المقرر أن يتم نقل رئاسة المجلس إلى لبوزة.

في هذا الإطار، يبدو أن الحوثيين قد انتقلوا إلى الخانة التالية من مخططهم للسيطرة على اليمن، أو على أقل تقدير، التمكُّن من المساحات الحالية التي يسيطرون عليها، بالشكل الذي يحقق مستهدفات داعميهم في طهران، والتي لا يعنيها بحال مستقبل اليمن ولا وحدته، وإنما فقط تمكين حلفائهم على الأرض، بالصورة التي تخدم مشروع التمدد الإيراني في المنطقة؛ تمامًا مثل الضاحية الجنوبية في بيروت، ومناطق الجنوب اللبناني، في حالة "حزب الله".

ويقف صالح والمؤتمر والحرس الجمهوري في مواجهة هذا كله بطبيعة الحال.

في المقابل؛ ليس من المصلحة – كما يطالب المراهقون السياسيون – صالح بأن ينسحب بحزبه وقواته من التحالف مع الحوثيين؛ حيث إن بقاء صالح في هذا التحالف – برغم مخاطر ذلك عليه هو شخصيًّا – هو الضامن الوحيد بألَّا ينفرد الحوثيون بالمناطق، أو تحقيق هدفهم الأسمى بالدخول في صراع مفتوح علني مسلح مع الحرس الجمهوري، لتقويض قدراته، بما يحقق أهداف الحوثيين!

الأخبار

آخر الأخبار