الأزمة القطرية.. هل تدخل الوساطة الكويتية نفق «التجميد»؟


كان الإعلام وظاهر التصريحات الرسمية، خلال الأيام الماضية، وراء الكثير من التطورات التي أثارت المزيد من الزوابع في الأزمة القطرية مع الدول الخليجية والعربية الأربع؛ مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
كانت البداية بعد أيام من الهدوء النسبي الذي شهده ملف الحجاج القطريين؛ الذي كان أحدث حلقات مسلسل الأزمة، التصريحات التي أدلى بها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الخميس السابع من سبتمبر، وأثارت الغضب الدول الأربع.
أعربت الدول الأربع في بيان كان من المستغرب أنه صدر بشكل "فوري" بالفعل، في أعقاب تصريحات أمير الكويت في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، شكرته فيه على تصريحاته، وبدا وكأنها تقول فيه: "شكرًا حتى هذا المدى أمير الكويت".
مثار الغضب الرئيسي كان اللغة الدبلوماسية البسيطة والمحايدة التي تكلم بها أمير الكويت، وأوصلت رئاسة اعتبرتها العواصم الأربع خاطئة، عن قرب التوصل إلى حل لا يحمل قطر على الاستجابة إلى مطالبها، وكذلك ما يتعلق بتصريح أمير الكويت من أن دول المقاطعة الأربع، كانت تعتزم تبني تحرُّكًا عسكريًّا تجاه النظام في الدوحة، في بدايات الأزمة، وأن الكويت أوقفته، وطلبت إفساح المجال لوساطتها.
في اليوم التالي مباشرة، جرى اتصال هاتفي لا يزال بالفعل "غامضًا" في ملابساته؛ كيف تم ومن طلبه؛ بين كل من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، وبين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
وبينما كانت الدوائر الإعلامية السعودية والخليجية، وخصوصًا المقربة من الأمير ابن سلمان تحتفي بالاتصال، وتشير إلى أنه قد "جرى الاتفاق" فيه على تشكيل لجنة من المفوضين والمبعوثين لبحث الأمور العالقة بين الدوحة وبين دول المقاطعة؛ صدر بيان عن الخارجية السعودية، قال فيه إن المملكة أوقفت كل الاتصالات مع قطر فيما يخص الأزمة، حتى تصدر الدوحة بيانًا توضح فيه مواقفها من القضايا الإشكالية، وبشكل واضح.
مثار الأزمة كان ما نشرته وكالة الأنباء القطرية (قنا) حول ملابسات الاتصال، وبأنه جاء بناء على رغبة الأمير محمد بن سلمان، بينما تقول الخارجية السعودية إن العكس هو الذي حدث.
وبجانب ذلك، وفي نقاط ثلاثة؛ فإن أهم ما دفع الخارجية السعودية إلى إعلان ذلك فيما نشرته وكالة الأنباء الرسمية القطرية، التي للمفارقة كان ما نشرته – اختراقًا أو غير اختراق – عن العلاقات القطرية الإيرانية وقضايا أخرى، هو الصاعق الذي فجَّر الأزمة في مطلع يونيو الماضي:
- أن الاتصال الذي تم بين أمير قطر وولي العهد السعودي، تم بناءً على تنسيق من الرئيس الأمريكي.
- أن أمير قطر وافق علي طلبٍ لولي العهد السعودي، بتكليف مبعوثين لبحث الخلافات.
- أن المبعثين سوف يبحثون الأمور الخلافية "بما لا يتعارض مع سيادة الدول".
الجزء الأخير فيما نشرته وكالة "قنا"، يشير إشارة واضحة إلى أن الدوحة لن تلتزم ببعض ما تم الاتفاق عليه في اتفاق الرياض الذي بموجبه عاد سفراء الدول الخليجية الثلاث، البحرين والإمارات والسعودية، إلى قطر، بعد سحبهم في مارس 2014م.
وبمقارنة التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ فإن عبارة "السيادة" هذه ارتبطت بالآتي في القاموس القطري الرسمي، فيما يخص المطالب الـ13 التي رفعتها دول المقاطعة الأربع للدوحة:
- غلق أو تغيير السياسة التحريرية لقناة "الجزيرة".
- طرد العناصر الواردة أسماؤها في قائمة الدول الأربع للشخصيات الإرهابية، والمعارضين لحكومات وأنظمة هذه الدول، وخصوصًا الإخوان المسلمين المصريين.
- غلق القاعدة العسكرية التركية في قطر.
- تغيير السياسة الخارجية القطرية إزاء إيران.
وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، اعتبر ذلك "تخبطًا" من جانب الدوحة، ولكنه أشار إلى أمر ما قد يكون على قدر من الأهمية لتفسير الموقف، وهو أن ما جرى ليلة الاتصال بين الشيخ تميم والأمير محمد بن سلمان، في مقابل ما نشرته وكالة الأنباء القطرية؛ يعكس "تعددًا" للأطراف المتحكمة في القرار القطري.
على الجانب الآخر، فسَّرَتْ مصادر إخبارية وسياسية إتمام الأمير محمد بن سلمان للاتصال، و"قبوله" له، بأنه إنما كان جزءًا من عملية التسويق السياسي له، والمستمرة منذ وصوله إلى منصب ولي ولي العهد، مع تولي والده الملك سلمان، سدة الحكم في البلاد، في مطلع العام 2015م، ضمن مساعيه لتولي عرش المملكة.
الموقف الأمريكي
لا يُعتَبَر تناول الاتصال بين تميم ومحمد بن سلمان، خروجًا عن موضوع التقرير الأساسي؛ فالاتصال تم في إثر لقاء أمير الكويت في واشنطن، مع ترامب، بل ويعتبره مراقبون نتيجة مباشرة للقمة الكويتية الأمريكية، وبأنه تطبيقٌ مباشرٌ لتصريحات ترامب خلال المؤتمر الصحفي مع الشيخ صباح الأحمد، وقال فيها إنه مستعد للتدخل في الأزمة. وهو ما جاء فيما نشرته وكالة الأنباء القطرية عن تدخل ترامب لإتمام الاتصال، وبعد كلمات أمير الكويت الدبلوماسية في واشنطن، والتي أشعرت الكثيرين في دوائر الإعلام والدبلوماسية، بأنه ثَمَّة حلٍّ في الطريق للأزمة.
تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب خلال زيارة أمير الكويت، أو في تصريحات تالية، أشارت إلى موقف له أقرب لدول المقاطعة منه إلى قطر.
اللافت المهم جاء في الاتصال الذي أجراه الرئيس الأمريكي مع أمير قطر، بعد زيارة أمير الكويت بساعات، وأكد فيه على "أهمية أن تلتزم جميع الدول بما جاء في قمة الرياض (عرفت بالقمة الأمريكية العربية الإسلامية، وعُقدَتْ في مايو الماضي)، من أجل الحفاظ على وحدة الصف في محاربة الإرهاب، وقطع التمويل عن الجماعات الإرهابية ومحاربة الأيديولوجيا المتطرفة".
وفي حقيقة الأمر؛ فإن الإيمان الأمريكي، بأن هناك على الأقل شبهات حول قطر في مسألة تمويل الإرهاب، تجاوز مواقف ترامب الإعلامية، إلى سلوك وسياسات محددة من جانب مؤسسات أمريكية، من بينها وزارة الخارجية الأمريكية، التي تراجع الحكومة القطرية في تقارير عديدة، من بينها تقارير للأمم المتحدة حول تورط المصرف المركزي القطري في تحويلات مشبوهة، لشخصيات متورطة في أنشطة إرهابية في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، من خلال بنوك لندنية، ومن خلال شخصيات من الأسرة الحاكمة في الدوحة، مثل عبد الرحمن آل ثاني.
وفي ذات الإطار، أوفدت وزارة العدل الأمريكية ثلاثة من مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. آي) التابع للوزارة، إلى المصرف المركزي القطري، من أجل مراقبة التحويلات التي تتم من الخزانة العامة القطرية إلى الخارج.
مصير الوساطة الكويتية
في حقيقة الأمر؛ فإن هذه التطورات التي أخذت صفة الأزمة، وسط تشديد من جانب الدول المقاطِعة لقطر على مواقفها من المطالب الـ13.
ولقد أخذت هذه الأزمة صورًا عدة، من بينها فورية إصدار بيانها الذي عقبت فيه على تصريحات أمير الكويت في واشنطن، وعبَّرت فيه عن أسفها من بعض تصريحاته، وخصوصًا – كما تقدم – ما يتعلق بمسألة التدخل العسكري.
كذلك كان هناك فورية بيان الخارجية السعودية الذي – وفي مرة نادرة للغاية – تجاوز عن وجود الأمير محمد بن سلمان – صاحب النفوذ الكبير، والموصوف بأنه ملك السعودية الفعلي – في صورة الاتصال الذي جرى مع أمير قطر، ونفى كل ما قالته المصادر الإعلامية المقربة من الأمير محمد، من أنه وافق على مسألة تشكيل فرق تفاوض على المطالب.
هذه المواقف تبرز أن الوساطة الكويتية في الأزمة القطرية قد انتهت.
ومن خلال تحليل مضمون معمَّق للبيان الفوري الذي تلا تصريحات أمير الكويت في واشنطن، سوف نجد عبارات على غرار "تثمين" دور أمير الكويت، و"توجيه الشكر" له على ما قام به، وهذا في عُرْف الدبلوماسية؛ إنما يُعتَبر اختتامًا غير رسمي من جانب الدول الأربع للوساطة الكويتية.
ولعل هناك أمرَيْن موضوعيَّيْن في هذا الصدد، ويفرضا على الدول الأربع، على الأقل، وضع بعض القيود على حرية أمير الكويت في ممارسة وساطته.
الأمر الأول، يتعلق بأن أمير الكويت، بلغته الدبلوماسية، وربما بحسن نية، قد فرض على الدول الأربع مواقف لم ترغبها، ولا تريدها، مثل التخفيف من لهجة الحديث عن درجة تمسكها بمطالبها من قطر.
في المقابل، ووفق معلومات حصرية من مصادر دبلوماسية مصرية وسعودية؛ فإن الدول الأربع، قد قررت المضي في الأزمة مع قطر لآخر الشوط، وحتى تستجيب الدوحة للمطالب كافة، من دون أي مساومات أو تخفيض لسقفها، وأن الدول الأربع لن تعطي أذنًا صاغية لأية مطالب أو ضغوط من جانب القوى الكبرى التي تتصدى للأزمة سعيًا لحلها، حتى الولايات المتحدة.
وربما كان هذا واضحًا – كذلك – في التراجع الكبير الذي حصل في جهود الوساطة الدولية في الأزمة، وفي تصريح لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قال فيه إن بلاده على استعداد للمضي قُدُمًا في الأزمة مع قطر لعام أو عامَيْن آخرَيْن.
وحتى جولة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عندما زار جدَّة وعَمَّان؛ فإنما كان الأمر يتعلق بالتحضير للجولة الجديدة من مفاوضات "أستانة" الخاصة بالشق العسكري للأزمة السورية.
الأمر الثاني، هو ما قاله أمير الكويت عن إجراء عسكري من الدول الأربع إزاء الدوحة.
ففي حقيقة الأمر؛ فإن هذا الخيار كان على الطاولة بالفعل، ووفق معلومات حصرية في هذا الصدد كذلك؛ فإن ما أوقف الدول الأربع، تطوران رئيسيان، الأول هو المطالب الكويتية بعدم الإقدام على ذلك، والثاني هو التحرك التركي الذي جرى بعد يومَيْن فقط، بإقرار البرلمان التركي لاتفاقية التعاون العسكري بين أنقرة والدوحة، الموقعة في العام 2014م، وإرسال تركيا "فورًا" لدفعات من قواتها إلى قطر.
الدول الأربع اعتبرت ذلك تسريبًا من جانب أمير الكويت، وسبب لها إحراجًا كبيرًا من ناحيتَيْن؛ الأولى هو أنه يثبت عدم صدق المسؤولين الذين تكلموا من الدول الأربع عن عدم وجود أي احتمال للخيار العسكري منذ بداية الأزمة.
الناحية الثانية، هو أن الحديث عن ذلك السيناريو وعدم تطبيقه، يعني تراجعًا من جانب الدول الأربع تحت وطأة ضغوط، وتحت وطأة التدخل العسكري التركي في الأزمة بشكل "بارد" لو صح التعبير من خلال إرسال قوات للقاعدة العسكرية التركية هناك، وهو بلا شك ما يمنح قطر نقاط مهمة في حسابات المكاسب والخسائر والقدرة على معالجة تطورات الأزمة وإدارتها.
وبالتالي؛ فإنه من المرجح أن تتوارى الوساطة الكويتية لفترة طويلة مقبلة عن تطورات الأزمة، والتي من المرجح أنها، في ظل هكذا تطورات، أن تدخل نفقًا طويلاً من الجمود، ما لم تقرر الدول الأربع التصعيد.