التقارير

الحوثيون.. مخلب الشر في قلب اليمن والجنوب الإقليمي العربي

الحوثيون محور الشر
الحوثيون محور الشر

بقطع النظر عن قضية الموقف لجهة الولاءات والعداءات، وكذلك المواقف السياسية من الأطراف المنضوية أسفل كل قائمة من هاتَيْن القائمتَيْن؛ فإنه، وبلا شك؛ يمثل ملف الحوثيين في اليمن، أحد أخطر الملفات التي تمثل تهديدًا للأمن القومي العربي.

فربما يكون للمرء موقفًا معاديًا أو مؤيدًا للحكومة السعودية، أو الإماراتية، ومواقفهما وسياساتهما، وقد يكون للبعض تحفظات على الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، أو خلفه الحالي المعترف به دوليًّا، عبد ربه منصور هادي، أو قد يكون من أشد مؤيدي صالح، أو هادي؛ المهم أيًّا كان الموقف؛ إلا أن هناك حالة من الاستقرار على ما يمثله ملف الحوثيين من تهديد للأمن القومي العربي.

ولسنا مبالغين عندما نقول إن مشروع الحوثيين، ومن ورائهم إيران بطبيعة الحال، في اليمن؛ لا يخدم مصالح إيران بقدر ما يخدم مصالح الكيان الصهيوني ذاته، في تهديد السيادة العربية التاريخية على مضيق باب المندب، البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، ولقناة السويس؛ ذات الأهمية الإستراتيجية للملاحة العالمية.

ولمزيد من الإيضاح؛ فإن عروبة باب المندب وقت حرب رمضان/ أكتوبر 1973م، كانت هي التي ضمنت انتصار الحرب في الحرب على إسرائيل، عندما أغلق اليمن الجنوبي قبل الوحدة اليمنية، والصومال، والسعودية، المضيق في وجه سفن الإمداد المدني والعسكري، الذاهبة إلى الكيان الصهيوني.

وهناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تقال للتأكيد على هذا الأمر، من بينها التورط الكامل والواضح للقوى الغربية الكبرى المعادية للأمة العربية، والأنظمة القومية، والداعمة – من جهة أخرى – للكيان الصهيوني، لعملية إسقاط الدولة في الصومال، وفي تفعيل ملف القرصنة في بحر العرب وخليج عدن، من أجل الحفاظ على تواجد عسكري دائم لها في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وأبسط دليل عقلي في هذا الصدد، هو عدم امتداد الفوضى في الصومال إلى جيبوتي الأضعف كثيرًا، والتي تُعاني من التباينات العرقية التي كانت في الصومال، أو إلى كينيا، التي تعتبر من أهم مواطئ أقدام استناد إسرائيل وبريطانيا في هذه البقعة من العالم.

في هذا الإطار الواسع، والذي يضم نقاطًا أخرى، يجب وضع ملف الحوثيين في اليمن.

النقطة الأهم التي تستكمل بعض أضلاع الشكل الهندسي غير المنتظم الذي يحيط بملف الحوثيين، هي وضوح أنهم مجرد ذراع مسلَّح لقوى خارجية تريد الهيمنة على الوطن اليمني لحسابات ومصالح لا علاقة لها باليمن.

ويكفي في هذا الإطار أن نكشف عن بعض الأسباب التي دفعت الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، إلى التخلي عن تحالفه مع الحوثيين، وعلى رأسها أنه اكتشف أنهم لا يحملون مشروعًا سياسيًّا واضحًا، ولا حتى نوايا حسنة يمكن تقديمها لوقف الحرب المدمِّرة التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية، على اليمن.

فبعد أكثر من ثلاث سنوات من الأزمة التي افتعلها الحوثيون، في سبتمبر 2014م، عندما عمدوا إلى الانقلاب على ترتيبات المبادرة الخليجية – يتحملون المسؤولية في ذلك مع الرئيس اليمني المعترف به دوليًّا، عبد ربه منصور هادي – لإحلال السلام في اليمن، بعد انتفاضة فبراير 2011م، والفوضى التي تلتها.

ففي البداية، قدَّم الحوثيون لحزب المؤتمر الشعبي وأطراف سياسية أخرى في اليمن، خطوتهم هذه على أنها إنقاذ لليمن من الفوضى بسبب مخالفة هادي لمقررات المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة باليمن.

وقاد ذلك إلى أزمة كبرى كان التعلل الأساسي فيها "مصلحة اليمن واليمنيين".

إلا أن تفاقم الحرب وآثارها الكارثية على المستويَيْن السياسي والإنساني على اليمن، وعدم قبول الحوثيين بأية محاولة للخروج بتسوية مشرِّفة مع الرياض والأطراف الأخرى التي يضمها التحالف العربي؛ أظهر أنهم أشد أعداء اليمن، ولهم مخططات سياسية لا تتعلق بمصالح اليمن إطلاقًا.

ثم وضحت نواياهم، عندما بدأوا في التحرُّش بحزب المؤتمر الشعبي العام، والتضييق عليه في العاصمة صنعاء، وفي غيرها من أنحاء اليمن، وهو ما يعني أن الحوثيين دخلوا التحالف مع المؤتمر منذ البداية، لجعله مطيةً لتحقيق أغراضهم في السيطرة على اليمن لحساب أجندات خارجية، وأن الأمر لا يتعلق بقضية الشراكة السياسية التي انقلب عليها هادي.

فلو أن الأمر يتعلق بهذه الشراكة؛ ما كان انقلابهم على المؤتمر الشعبي، ويؤشر ذلك إلى أنهم لو وصلوا إلى حكم اليمن بالكامل، واستقر لهم ذلك؛ فإنهم سوف يكونون أسوأ من ألعن الديكتاتوريات العربية والعالمية إقصاءً.

يُضاف إلى ذلك الوجه الدموي الذي أبرزوه كأداة لهذا الإقصاء.

فالطريقة التي تعاملوا بها مع الرئيس اليمني الراحل وقت اغتياله، والتقارير الإعلامية الواردة من اليمن في الأشهر السابقة، تشير إلى أن الحوثيين يعتمدون طريقة واحدة للإقصاء السياسي، وهي الاغتيالات والتصفية الجسدية.

وبالرغم من اعتراض الكثيرين على حزب التجمع اليمني للإصلاح وطريقة إدارته للسياسة اليمنية في مرحلة ما بعد انتفاضة فبراير 2011م؛ إلا أن هناك بعض المراقبين يرون أن الحوثيين بطريقة القتل التي اتبعوها مع أئمة ورموز الحزب السياسيين، وطريقة الحرق والتخريب التي اعتمدوها مع المساجد والدور التعليمية بما فيها الجامعات، التابعة للإصلاح، منذ بداية الأزمة؛ لم يتركوا للإصلاحيين أية وسيلة أخرى غير التحالف مع السعودية والإمارات، لأجل إنقاذ أنفسهم وأتباعهم.

وذات الأمر جرى حتى مع حلفائهم السابقين في المؤتمر. فهناك تقارير تتكلم عن 2500 من كوادر المؤتمر، تمت تصفيتهم في العاصمة صنعاء، في الأيام القليلة الماضية التي تلت اغتيال صالح بالصورة التي تمت، بخلاف الاعتقالات، وأعمال التخريب التي تمت في مقرات الحزب. وحتى منزل صالح لم يتركوه بعد قتله بالصورة التي تمَّت.

كذلك ساهمت سياسات الحوثيين في أقلمة ثم تدويل الأزمة اليمنية؛ حيث صارت التدخلات الخارجية علامة ثابتة للأزمة في اليمن بسبب سياسات ومواقف الحوثيين بسبب ارتباطاتهم هم ذاتهم بطرف إقليمي، وهو إيران، له بدوره أزمة كونية، ترتبط بالعديد من الأزمات الفرعية؛ حيث إيران مرتبطة بملف الجماعات الشيعية المسلحة الأخرى في الشرق الأوسط التي تمثل أداة إيران التوسعية الأساسية، ومرتبطة بملف التسلح النووي والصاروخي، وبملف أمن إسرائيل وتعقيداته.

كما ترتبط إيران بصراع القوى والمصالح الدولية بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى؛ حيث تعتبر إيران من أهم حلفاء الروس في الشرق الأوسط، وأحد أبرز شركاء الصين في مجال التصنيع العسكري والتجارة المدنية والطاقة (الصين وكوريا الشمالية أهم منفذ للنفط الإيراني وقت العقوبات الدولية).

بالإضافة إلى طائفة أخرى من الأزمات التي تمتد وتتشعب لتشمل الاتحاد الأوروبي وسعاره على نصيبه من كعكة الانفتاح الإيراني على الأسواق العالمية بعد رفع العقوبات الدولية عنها بموجب الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في يوليو 2015م.

ومن المعروف أن إيران واحدة من أبرز الملفات التي يركز عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الفترة الراهنة مع كوريا الشمالية والصين وملف مكافحة الجماعات "الجهادية" المسلحة.

وليس بعيدًا عن ذلك؛ حيث تدحرجت الأزمة، تمامًا مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت إلى سفح الجبل، بحيث شملت كذلك ملف الجماعات الجهادية المسلحة في ظل إصرار الحوثيين على دخول عملية سياسية سليمة، تستعيد الدولة اليمنية على المستويَيْن السياسي والمؤسسي بالصورة التي تضمن محاصرتها.

وبالتالي؛ فإن الأقلمة والتدويل صارا "واجبًا مقدسًا" عند مختلف الطامعين والطامحين؛ حيث صارت اليمن – في ظل الفراغ السياسي والأمني والمؤسسي – ساحة لجماعات كثيرة، أهمها "تنظيم قاعدة الجهاد في شبه جزيرة العرب"، الذي هو هدف أساسي لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي. آي. إيه".

ولعل أخطر آثار إصرار الحوثيين على الانفراد بالشأن اليمني، ولو على حساب اليمنيين أنفسهم، هو أن هذه العوامل كافة، ساهمت في هدم أحد أهم الإنجازات السياسية العربية في مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار الغربي المباشر، وهو الوحدة اليمنية.

فمن بين أهم مصائب اليمن حاليًا، بجانب المجاعة والكوليرا وخراب الحرب؛ هو أن اليمن بات مقسَّمًا بالفعل؛ ليس إلى قسمَيْن فحسب كما كان في الماضي؛ بل إلى أقسام؛ حيث نشط الانفصاليون في حضرموت والجنوب ومناطق أخرى يمنية.

وفي حقيقة الأمر؛ فإنه مع كامل الاعتراض على تقسيم اليمن؛ فإن طول أمد الحرب بسبب رفض الحوثيين التقدم خطوة إلى منطقة وسط نحو الحل، وما ترتب على الحرب من مآسٍ دفع البعض – كما حصل في "صومالي لاند" ومنطقة "بونت" الصومالية – إلى تشكيل نوع من أنواع الحكم المحلي المستقل لإدارة شؤون الناس والحفاظ على الأمن، والوقاية من تسلل العناصر الإرهابية إليها، وتكوينها لخلايا وإقامة معسكرات تدريب ترصدها العيون الأمريكية، وتقصفها ويموت معها من يموت من الناس، وهو ما كرَّس الانفصال الفعلي لأجزاء واسعة من اليمن.

وفي الإخير؛ فهذه المؤشرات كافة؛ تقول بأنه لا مستقبل سياسي سليم لليمن في ظل وجود الحوثيين، حتى لو كان قد تم التوصل إلى حل سياسي، لأنهم كانوا سوف يعمدون فيما بعد إلى الالتفاف عليه بأية صورة لأن هدفهم الأصلي هو السيطرة على اليمن لحساب أجندات خارجية لا تبدو الأصابع الصهيونية – كما تقدَّم القول – بعيدةً عنها.

فصالح كان يرغب في تسوية مشرِّفة مع السعوديين توقف الحرب، وكان ذلك مثار الخلاف الأساسي بين الجانبَيْن، بجانب رغبة الحوثيين في تحجيم المؤتمر والانفراد بالوضع في المناطق التي خارج سيطرة حكومة هادي، وهو ما دفعهم إلى تصفيته.

وبالتالي؛ فإن حل أزمة اليمن يقتضي إنهاء سيطرة الحوثيين على الأرض، ولكن هذا مجال حديث آخر!

اليمن، الحوثيون، إيران، علي عبدالله صالح

التقارير