أثارت التصريحات الأخيرة للقيادي والناطق باسم  تنظيم الحوثي الإرهابي، محمد عبد السلام، والتي قدم من خلالها عرضًا للتسوية يقضي بتسليم الجنوب "للجنوبيين"، نظير أن يتخلوا عن التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، ويشن حربًا على  المليشيات الإرهابية التي تدعمها إيران  منذ مارس من العام 2015م.

وبالرغم من أن الحوثيين ومكتب عبد السلام قد نفوا التصريح؛ إلا أنه تبقى في لعبة السياسة حقيقة مهمة مفادها أن مثل هذه التصريحات التي "يتم نفيها"، إنما هي ليست كاذبة أو مدسوسة بالكامل؛ إنما في حقيقة أمرها، بالونات اختبار، من أجل كشف بعض المواقف، أو تقديم عروض ولكن بشكل غير رسمي، واختبار ردود الفعل، من دون الظهور بشكل مباشر.

وهناك احتمال آخر يعضد صحة هذه التصريحات، حتى ولم لم تصدر علنًا من جانب عبد السلام، وهي أن أجهزة المخابرات التابعة لدول التحالف، مثلما استطاعت مثلاً اعتراض رسائل تفيد بتورط الحكومة القطرية في عملية اغتيال الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح؛ قد اعترضت اجتماعات داخلية، ناقش فيها الحوثيون هذه المسألة بالفعل؛ مسألة منح الحِراك الجنوبي حريته، والسماح بانفصال فعلي لجنوب اليمن، نظير ترك التحالف العربي.

وعلى ذلك؛ يمكن القول إن ما تم تداوله من معلومات في هذا الصدد؛ إنما هو صحيح، وإن هناك تخطيط للحوثيين في هذا الاتجاه.

وبطبيعة الحال؛ وكما يقول الموقف؛ فإن الحراك الجنوبي بدوره رفض ما قيل علانيةً؛ حيث قال عدنان الكاف، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، في تغريده له نشرها عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "نقول للجميع وأولهم الحوثه إننا كنا ولا زلنا وسنظل، شركاء مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة"، وأضاف: "إننا شركاء في محاربة الارهاب والمد الايراني في جزيرة العرب أينما وُجِد، وإننا سنظل مخلصين لدماء شهدائنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم لأجل ذلك".

إلا أن التفاصيل التي تتردد في الكواليس تشير إلى أن هناك خطة بالفعل موضوعة تركز على منح الشرعية لممثلي الانفصاليين الجنوبيين، من خلال تنسيق لقاءات بين ممثل لهم، مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مع تعهد الحوثيين بسحب قواتهم من أي أرض تقع في إطار الإقليم الجنوبي للبلاد على أن يسحب الجنوبيون قواتهم من البيضاء ومأرب والبقع والساحل الغربي، وأي جبهة "خارج أرضهم" بحسب التسريب المنقول عن عبد السلام.

المعلومات المتداولة كذلك تشير إلى أن الحوثيين سوف يعملون على التوصل إلى اتفاقية لتسوية في اليمن، برعاية الأمم المتحدة وأطراف دولية لم يحددونها، لما وُصِفَ بـ"حل الدولتَيْن".

كما تضمن حديث عبد السلام تهديدًا صريحًا، عندما قال للجنوبيين وفق ما هو منسوب إليه: "انتبهوا لما يُحاك ضد اليمن من مؤامرة خبيثة لعودة العملاء للعرش (يقصد المدعومين من الرياض)، لن نقبل ولو كلفنا ذلك أن تصل الدماء للركب في صنعاء".

إطار الموقف:

يأتي سياق هذا الأمر في إطار تطورات سياسية وميدانية لا تصب جميعها في مصلحة الحوثيين؛ حيث القوات التابعة للرئيس اليمني المعترف به دوليًّا، عبد ربه منصور هادي، وحلفاؤه من القبائل والقوى السياسية الأخرى والمدعومة من التحالف العربي التي تقوده السعودية يتقدمون أكثر في هذه الحرب.

وفقد الحوثيون مناطق شديدة الأهمية والحساسية من بينها جبل القرن الإستراتيجي، قرب لحج، والجوف، ومناطق في البيضاء ومناطق عديدة، كانوا يساومون الجنوبيين عليها.

وبالرغم من استمرار الحوثيين في السيطرة على مناطق واسعة من اليمن؛ إلا أن فقدانهم لحزب المؤتمر باغتيالهم للرئيس صالح؛ أفقدهم ظهيرهم السياسي والاجتماعي والعسكري الرئيسي، ولولا السلاح الذي سيطروا عليه من مخازن الجيش اليمني عند انقلابهم الأول، في سبتمبر من العام 2014م؛ فإنهم كانوا في حكم المنتهي بالفعل في الوقت الراهن.

انتفاضة القبائل

ازداد موقفهم سوءًا ببدء تحركات القبلية، وعصيانها في بعض المناطق.

وأشارت تقارير إعلامية عدة إلى ما وصفته بـ"انتفاضة القبائل" ضد الحوثيين، وعلى رأسها قبائل الحدَّاء والأعماس في ذمار وطوق صنعاء، وقبيلة خولان بزعامة الشيخ محمد الغادر، والتي كانت متحالفة سابقًا مع الحوثيين؛ حيث رفضت تسليم مناطقها عقب استشهاد الرئيس علي صالح.

كذلك أشارت معلومات إلى أن هناك مواجهات قوية اندلعت بالفعل بين أفراد قبيلة موالية للرئيس صالح، وميليشيات الحوثيين في مديرية همدان شمال صنعاء، خلال محاولة للحوثيين لاقتحام قرية "الحطَّاب"، لاعتقال عدد من سكانها على خلفية منعهم لخطيب تابع للحوثيين من اعتلاء المنبر لإلقاء خطبة الجمعة.

ولذلك فإن الحوثيين عملوا في الفترة الأخيرة على توسيع نطاق عمليات الخطف في صفوف أبناء ورموز هذه القبائل، كما فعلوا مع العميد ركن مدير، يحيى زاهر، أحد وجهاء همدان، وتجهيز كتائب من فرق الموت وفرقة الحسين بالإضافة إلى فرق متخصصة في تفجير وتفخيخ المنازل، لإثارة فزع الأهالي المحليين في تلك المناطق.

في هذا الإطار، وفي ظل عدم قدرة إيران على إمدادهم كما السابق بالسلاح والخبراء في ظل مشكلات إيران الداخلية المتفاقمة – جزء من هذه المشكلات يعود إلى العوز والفقر المنتشر بسبب مغامرات طهران الإقليمية – وفي ظل طول المسافة بين إيران واليمن، وعدم وجود أي اتصال جغرافي بين إيران واليمن؛ في ظل ذلك كله، بدأ الحوثيون في البحث عن بدائل لمعالجة موقفهم المتأزِّم.

ولم يكن أمامهم في هذا الصدد، سوى أن يسلكوا سبيل تمزيق جبهات خصومهم، فكان العمل على تفتيت جبهة حزب المؤتمر من خلال وسيلتَيْن؛ الأولى اعتقال وقتل الرموز التي ترفض التعاون، وتفجير منازلهم، أو استقطاب بعضهم ممن يمكن أن يقدموا تنازلات ويستمروا على التحالف مع الحوثيين.

وربما يأتي التسريب الأخير لمحمد عبد السلام في ذات الإطار؛ حيث الرغبة في اللعب على وتر تفتيت الجبهة السياسية والعسكرية لأطراف أخرى متحالفة مع التحالف العربي، وأهمها جبهة الجنوب.

وفي هذا الصدد تبرز حقيقة مهمة لابد من أخذها في الحسبان، وهي أن المُستَهدَف بمثل هذا الموقف من الحوثيين، إنما هي الإمارات وليس السعودية، بسبب الجهد الإماراتي للعمل على دعم طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل، والذي يعتبره الحوثيون عدوهم الأول في اليمن، ورفضوا تأكيد ما ردده حزب المؤتمر الشعبي العام بشأن مقتله مع الرئيس صالح في مطلع ديسمبر الماضي، وأصدروا، في السادس عشر من ديسمبر الجاري بيانًا أعلنت فيه أنه مطلوب أمنيًّا.

وتعتبر ميليشيات الحوثي، العميد طارق صالح بمثابة "العقل المدبر" لجميع تحركات الرئيس الراحل، والمطلوب رقم واحد؛ حيث كانت قد وضعته مع صالح على رأس في قائمة أهدافها منذ تفكك عُرى التحالف الذي كان قائمًا بين الجانبَيْن.

وأكد ذلك قياديون في حزب المؤتمر لوسائل إعلام سعودية؛ حيث أشار بعضهم لقناة "العربية" إلى أنهم "لا يستبعدون كون طارق صالح على قيد الحياة"؛ حيث قالوا تعقيبًا على البيان الخاص بالحوثيين الذي يطالب برأس العميد طارق صالح: "الحوثيون يستنزفون جهدهم في المكان الخطأ ولن يعثروا عليه"، في تلميح إلى أنه ما يزال على قيد الحياة، وأنه في مناطق خارج سيطرة الحوثيين.

ومبعث القول بأن الإمارات هي المستهدفة بتحرك الحوثيين أو تسريبهم الأخير، هو أن الإمارات هي الطرف الأكثر سيطرة وفاعلية على الأرض في مناطق الجنوب، وهي التي تسيطر هناك.

وقد يكون الحوثيون يريدون من الأصل الوقيعة بين الإمارات التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع الجنوبيين، وبين السعودية، حال موافقة الجنوبيين على ذلك، وهو الهدف الأكبر بطبيعة الحال للحوثيين.

وفي الأخير؛ فإن كل ذلك يبرز حقائق عدة، أهمها أن الحوثيين لا يسعون لمصلحة اليمن ولا مصلحة الجمهورية ولا وحدة البلاد، وإنما هم طلاب سلطة ومصلحة.

كما أن ذلك يكشف بوضوح عن حقيقة أهداف إيران في العالم العربي، ويجعل من التعاون مع مخططاتها بمثابة خيانة لكل قيم العروبة والإسلام!