اليقين
التقارير

توقعات للحرب في 2018..

الأزمة الخليجية القطرية والحرب في اليمن.. آفاق مُلبَّدَة بالغيوم!

الملك سلمان والأمير تميم
الملك سلمان والأمير تميم

يبدأ العام الجديد 2018م فيما يخص الأزمة القائمة بين الدول الخليجية، ومصر ودول عربية أخرى من جهة، وبين قطر من جهة أخرى، بخلفية لا تقول بأنه هناك طريقٌ للحل.

ومن بين أهم هذه المؤشرات، القمة الخليجية الـ38 التي عُقِدَتْ بالكويت يوم الخامس من ديسمبر 2017م؛ حيث غاب عنها القادة الخليجيون عدا أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والذي هو في الأصل صاحب الأرض، وتم فيها اختزال القمة في يوم واحد بدلاً من يومَيْن.

وبطبيعة الحال؛ فإن أية أزمة بهذا الحجم لن يقتصر أثرها على أطرافها، وإنما سوف يمتد تأثيرها إلى الأزمات الأخرى في الإقليم، ولاسيما فيما يتعلق بأزمة بوزن الأزمة اليمنية بكل تعقيداتها وتشابكاتها، وحتى مستوياتها، بين ما سياسي، وما هو عسكري، وما هو إنساني.

وتزداد قوة هذا الارتباط، هو أن كلا الأزمتَيْن، الحرب في اليمن، والأزمة الخليجية القطرية، هما جزء من مشهد إقليمي له امتداداته الدولية؛ حيث تتشابك فيه الكثير من الأطراف، سواء العربية السعودية أو الإمارات أو مصر والأردن، وصولاً إلى تركيا وإيران، ثم في الخلفية الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا في جانب (التحالف الأنجلوساكسوني)، وفرنسا وألمانيا والإطار الأوروبي في جانب آخر.

ولا يقف الأمر حتى على مستوى الدول؛ حيث تنخرط في هذه الأزمات جماعات – دينية بالأساس – تعتبر من الأكبر في العالم، مثل "الإخوان المسلمون" بأذرعهم السياسية والحزبية المختلفة – التجمع اليمني للإصلاح في الحالة اليمنية – وبطبيعة الحال؛ "حزب الله" اللبناني، وفي حالة اليمن، هناك جماعة "أنصار الله" الحوثيون، وتنظيم قاعدة الجهاد في شبه الجزيرة العربية، وطائفة أخرى من التنظيمات ذات الطابع الميليشياوي المؤدلج والمُؤطَّر دينيًّا.

ولعل هذه النقطة الأخيرة شديدة الأهمية في تقييم الموقف في اليمن من خلال الأزمة الخليجية القطرية، وهو ما يحاول هذا التقرير استجلاءَه.

المليشيات والأحزاب "الدينية" وأدوات الصراع في الإقليم

تُعتبر الميليشيات والجماعات العابرة للحدود، والتي غالبًا ما تكون مستندة إلى أيديولوجية دينية؛ من بين أبرز الفاعلين السياسيين على المستويَيْن الإقليمي والدولي.

وفي حالة عالمنا العربي؛ فإن هذه المجموعات، هي من بين أهم الأدوات التي تستند إليها قوى إقليمية ودولية عدة لتنفيذ سياساتها، وتحقيق أهدافها.

وهي كذلك من بين أبرز الآليات التي استند إليها التحالف الأنجلوساكسوني، وذراعه الطويلة، ممثلة في حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، في التحرُّك بين ظهراني عالمنا العربي والإسلامي، ضمن ما يُعرَف بحروب الجيل الرابع والخامس، والتي تستند إلى تغيير طبيعة العدو من الجيوش النظامية، إلى جماعات وأحزاب غير رسمية تعمل على نشر الفوضى وعدم الاستقرار، وقد يتم تزويدها بالسلاح، وتدريبها على أعلى مستوىً لتنفيذ أهداف معينة لا يمكن للحكومات التي تقف خلفها أن تظهِر نفسها فيها صراحةً.

وتنصب هذه الأهداف في الغالب على إضعاف الجبهة الداخلية، وتقويض المناعة القومية، توطئة لإدخال مكوناتها في صراعات أهلية بينية أو مع الدولة، مما يقود في النهاية إما إلى إفشالها، وتقسيمها.

وفي الحالة اليمنية؛ فإن هناك الكثير من الأحزاب والجماعات التي قامت القوى المتصارعة بتوظيفها منذ الفوضى التي بدأت في فبراير من العام 2011م؛ خاضت من خلالها حروبًا بالوكالة.

وفي هذا الإطار، تعكس الأزمة الخليجية القطرية خريطة شديدة التعقيد من هذه الفصائل والمجموعات التي تخوض حروبًا بالوكالة عن هذه الأطراف على أرض اليمن.

كما يزداد تعقيد المشهد هو أن بعض هذه المجموعات مرتبطة بتحالفات دولية أخرى أكبر.

فهناك أولاً، جماعة الحوثيين، التي تتلقى دعمًا من إيران، ومن مجموعات شيعية أخرى عابرة للحدود وفوق الدولة القومية، مثل "حزب الله" اللبناني، ثم وبدرجة أقل، تتلقى دعمًا من سلطنة عُمان المجاورة؛ حيث أشارت تقارير صحفية ودراسات لمراكز بحوث غربية، إلى أن هناك مستوىً عالٍ من عمليات تهريب السلاح تتم عبر الحدود اليمنية العُمانية، لصالح الحوثيين.

وعقب اندلاع الأزمة بين قطر وجيرانها الخليجيين، انضمت الدوحة إلى إيران في دعم الحوثيين، وهناك تقارير إعلامية أشارت إلى أن معلومات استخبارية وهواتف "ثريا" قطرية، كانت وراء عثور الحوثيين على الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، ومساعدتهم على اغتياله.

ينضم إلى هذه الخريطة، تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، ومن المعروف أن هناك روابط عدة بين الحكومة القطرية وتنظيم القاعدة الأم وحركة "طالبان" الأفغانية.

ويعود ذلك إلى الفترة التي استضافت فيها الحكومة القطرية ممثلين عن حركة "طالبان"، في نهاية التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، ضمن محاولة لاستعادة السلم في أفغانستان، من خلال شراكة سياسية بين الحركة وبين النظام الأفغاني الجديد وقت رئاسة حميد كرزاي له.

وظلت هذه العلاقة قائمة حتى اندلاع الحرب في سوريا؛ حيث تُعتبر القاعدة، ثم خليفتها "جبهة النصرة"، أو "هيئة فتح الشام" حاليًا، هي الذراع الأساسية التي دعمتها قطر بالمال والسلاح ضد النظام السوري.

وبالتالي؛ فلا يمكن القول بأنه لا توجد صلة، وحتى ولو كانت غير واضحة، بين الحكومة القطرية، وبين قاعدة جزيرة العرب.

وتعود أزمة وجود هذا التنظيم في اليمن، وخصوصًا في محافظات مثل البيضاء وشبوة، إلى الفترة التي كان التنظيم يتواجد فيها في الأراضي السعودية، في التسعينيات الماضية، وقيام الحكومة السعودية، ممثلة في وزير الداخلية الراحل، الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، بالسماح لعناصر التنظيم بالفرار إلى اليمن، بدلاً من مطاردتهم وتصفيتهم في السعودية، نظير عدم استهدافهم للمصالح السعودية.

وظلت هذه السياسة معتمدة من جانب الأمير محمد بن نايف، الذي تولى وزارة الداخلية خلفًا لوالده الراحل، قبل أن تتم تنحيته في السابع عشر من يوليو 2017م.

كما تقاطعت السياسة السعودية مع نظيرتها القطرية في دعم "جبهة النصرة" في فترة من فترات الحرب السورية، بإشراف الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، الذي كان يتولى في تلك الفترة، مسؤولية الاستخبارات العامة السعودية، ثم رئاسة مجلس الأمن الوطني السعودي الذي يضم مختلف الأجهزة الأمنية السعودية.

وبالتالي؛ فإن هناك تقاطعًا غريبًا من نوعه بين الخصمَيْن، السعودية وقطر، فيما يتعلق بملف القاعدة في اليمن.

وذات الاشتباك نجده في ملف الإخوان المسلمين.

فبينما تُعتبر السعودية مع الإمارات من بين أكثر الأطراف التي دعَّمت عملية إسقاط الحكومات التي هيمن عليها الإخوان في عدد من دول الخريف العربي الكارثي، بل حتى إن الرياض قوَّضت التيار الإصلاحي المحسوب على الإخوان المسلمين في المملكة ذاتها، بما شمل اعتقال رموزه الكبار؛ إلا أن حزب التجمع اليمني للإصلاح، أو إخوان اليمن؛ من بين أهم حلفاء الرياض ضد الحوثيين، ويتبنون ملفًّا شديد الأهمية، وهو الملف الطائفي؛ حيث يتم نقل صورة الصراع على أنها صراع سُنِّي/ شيعي، تتولى المملكة فيه دور الحامي لأهل السُّنَّة والجماعة.

في المقابل؛ فإن الحكومة القطرية من أكبر داعمي الإخوان المسلمين، والذين لم يجد فرعهم اليمني غضاضة في التعاون مع المملكة، فيما الحملة شعواء، تلك التي تشنها أجهزة الإعلام القطرية على المملكة، وسياساتها الإقليمية، ولاسيما شبكة "الجزيرة" ومشتملاتها، مثل موقع "ميدان"، و"مدونات الجزيرة".

من طرف آخر؛ فإن هناك الكثير من الأذرع الإخوانية في المنطقة، لها أعمق العلاقات مع إيران، مثل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الفلسطينية، والتي أكد أكثر من قيادي في مكتبها السياسي مؤخرًا، من بينهم قائد الحركة في الداخل، في قطاع غزة، يحيى السنوار، والقيادي محمود الزهار.

حزب المؤتمر وآفاق الموقف السياسي

الطرف الآخر المهم في الصورة اليمنية على مستوى الأحزاب، وربما هو مختلف كثيرًا عن الأطراف السابقة، لكن تبقى هناك ضرورة لذكره في إطار تناول خريطة استقطاب القوى اليمنية بين أطراف الأزمة الخليجية، فإننا نجد أن حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي ظل يحكم اليمن منذ تأسيسه في الرابع والعشرين من أغسطس من العام 1982م.

فالحزب الآن فعليًّا، منقسم بين ثلاثة أجنحة، الأول الجناح الموالي للرئيس اليمني المعترف به دوليًّا عبد ربه منصور هادي، وهناك الجناح الذي أجرى في صنعاء مؤخرًا انتخابات لاختيار خليفة لصالح، وهو الجناح الموالي للحوثيين، ويقوده بشكل مؤقت، صادق أبو راس، وهناك الجناح الموالي لصالح ذاته، ولا توجد له قيادة بارزة ومسيطرة في الوقت الراهن، والأنظار تتجه إلى السفير أحمد علي صالح، نجل الرئيس الراحل، والمقيم حاليًا في الإمارات لإنقاذ الحزب من التشظي.

في هذا الإطار، وفي سياق توقعات باستمرار الأزمة الخليجية القطرية، وصراع الأجنحة داخل المعسكر الواحد وتباين ولاءات الأجنحة المختلفة لهذه القوى أو تلك؛ فإنه يمكننا أن نقول بنسبة دقة عالية، إن الأزمة اليمنية سوف تشهد في العام الجديد تصعيدًا كبيرًا، وأنه لن يمكن إيجاد حلٍّ شامل يواءم بين أجندات كل هذه الأطراف، خصوصًا وأنه تبقى في النهاية الأزمة اليمنية رهينة صراعات بين قوى إقليمية لها وكلاؤها في الداخل اليمني.

الأزمة الخليجية

التقارير

آخر الأخبار