اليقين
التقارير

الاتجاه الإماراتي لتوطين صناعة الفضاء بالمنطقة العربية (تحليل)

اليقين

أطلقت الإمارات العربية المتحدة القمر الصناعي "خليفة سات" أول قمر صناعي عربي يتم تصنيعه بأيادٍ إماراتية 100%، وذلك على متن صاروخ (H-IIA)، من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان، وبمجرد دخول القمر الصناعي إلى مداره سيبدأ عمله بالتقاط صور فائقة الجودة، وإرسالها إلى المحطة الأرضية بهدف استخدامها في مراقبة التغيرات البيئية، وفي جهود الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية، والتخطيط العمراني.

خطة طموحة لغزو الفضاء:

يأتي إطلاق "خليفة سات" في ظل خطة إماراتية طموحة لغزو الفضاء، حيث يتبع "خليفة سات" أيضًا إرسال أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ، أُطلق عليه اسم "مسبار الأمل"، لتكون بذلك الإمارات واحدة من بين تسع دول فقط تطمح لاستكشاف هذا الكوكب، وسينطلق المسبار في مهمته عام 2020، ومن المخطط أن يصل إلى المريخ بحلول عام 2021، تزامنًا مع ذكرى مرور خمسين عامًا على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، ويجري التخطيط والإدارة والتنفيذ لمشروع المسبار على يد فريق إماراتي وطني (1)، وبذلك ستكون دولة الإمارات ضمن 9 دول في العالم فقط لها برامج فضائية لاستكشاف الكوكب الأحمر.

ويُعتبر "خليفة سات" أول قمر صناعي يتم تطويره داخل الغرف النظيفة في مختبرات تقنيات الفضاء في مركز محمد بن راشد للفضاء بدبي، ويُتيح لدولة الإمارات تقديم خدمات تنافسية في قطاع الصور الفضائية على مستوى العالم، حيث يقدم القمر الصناعي صورًا فضائية عالية الجودة والوضوح، بما يساعد في مجالات التخطيط المدني والتنظيم الحضري والعمراني وتطوير أعمال البنية التحتية في دولة الإمارات، وتقديم خرائط تفصيلية للمناطق المراد دراستها، ومتابعة المشاريع الهندسية والإنشائية الكبرى، فضلًا عن رصد التغيرات البيئية على المستوى المحلي وعلى مستوى دعم الجهود العالمية في الحفاظ على البيئة، فمن المخطط أن يُقدِّم صورًا مفصّلة للقمم الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي، مما يساعد على اكتشاف التأثيرات الناجمة عن الاحتباس الحراري (2) .

وقد بدأت استراتيجية توطين صناعة الفضاء في الإمارات عام 2006 حينما عقدت الدولة شراكة استراتيجية مع "ساتريك أنيشيتف" الكورية الجنوبية في إنشاء القمر الصناعي "دبي سات-1" وفيما بعد "دبي سات-2" لامتلاك تقنيات تصنيع الأقمار الصناعية، حيث اكتسب المهندسون الإماراتيون خبرة على مدار عشر سنوات، وعادوا إلى رحاب الوطن لتصميم وتصنيع "خليفة سات".

تأخر برامج الفضاء العربية:

تأخرت الدول العربية كثيرًا في مجال صناعة واستكشاف الفضاء، فحتى يوم أن انطلق سبوتنك 1، لم يكن هناك إلا قسم واحد في مجال علوم الفضاء وهو قسم الفلك والأرصاد الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ولم يكن هناك للعرب إلا قسم واحد في مجال هندسـة الطيران والفضاء، وهو قسم هندسة الطيران والفضاء بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، ولم يكن للعرب مرصد فلكي واحد إلا مرصد حلوان.

ومع بداية السبعينيات، بدأت بعض الدول العربية -وعلى رأسها مصر- في إنشاء مراكز للاستشعار عن بعد، حيث تم إنشاء مركز الاستشعار عن بعد داخل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بالقاهرة، وكان الأول من نوعه في العالم العربي، والذي تحول فيما بعد إلى الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء. ومع بداية الثمانينيات انتشرت مراكز الاستشعار عن بعد في البلاد العربية، والتي تحول بعضها إلى هيئات وطنية.

ومع نهاية القرن العشرين، لم يكن هناك للعرب في الفضاء الخارجي سوى قمرين للبث الإذاعي والتلفزيون هما "عرب سات" و"نايل سات"، ثم تبعهما قمر ثالث هو "الثريا" للاتصالات. وكانت هذه الأقمار الثلاثة قد تم تصنيعها وإطلاقها عن طريق جهات أجنبية بطريقة "تسليم المفتاح" (3)، وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأت برامج الفضاء العربية في الظهور، ومن أهم هذه النماذج: برنامج الفضاء المصري، وبرنامج الفضاء الجزائري، وبرنامج الفضاء السعودي.

صناعة الفضاء قاطرة النمو:

لا تقتصر الفوائد التي تعود من وراء إطلاق الأقمار الصناعية على الخدمات التي تقدمها فقط، سواء كانت خدمات اتصالات أو بث إعلامي أو تصوير جغرافي أو مسح بيئي أو خلافه، بل إن صناعة الفضاء تُعتبر من الصناعات الشاملة التي تعمل على تحفيز النشاط الاقتصادي والصناعي والتعليمي، فهي ليست صناعة مستقلة بذاتها مثل غيرها من الصناعات كالحديد والصلب أو الأسمدة أو الكيماويات أو الشرائح الذكية، بل تعتمد على غيرها من الصناعات مثل النقل والمواصلات والاتصالات وخدمات الإنترنت والصحة والزراعة والطاقة، فهي من الصناعات العملاقة، التي تعتمد عليها وتغذيها قطاعات صناعية واقتصادية أخرى، ومن ثم فالارتقاء بها هو نتيجة للارتقاء بكافة الصناعات الأخرى المرتبطة بها، وتطويرها يُساهم في تطوير غيرها من الصناعات، مثل: الطيران، والاتصالات، والملاحة، والروبوتكس، وتحديد المواقع الجغرافية، ونظم توليد الطاقة وتخزينها. وبالتالي فصناعة الفضاء تعتبر قاطرة نمو ومحركًا رئيسيًّا لتطوير غيرها من الصناعات التجارية.

وتتكون صناعة الفضاء من ثلاث صناعات رئيسية، هي: صناعة الأقمار الصناعية، ثم قطاع الصناعات الأرضية التي تشمل محطات الإرسال والاستقبال ومعدات الإدارة والتشغيل والتحكم، وأخيرًا قطاع الإطلاق والمحطات الأرضية الذي يشمل الصواريخ ومعدات إطلاق المركبات والأقمار الصناعية إلى الفضاء الخارجي.

لذلك تُعتبر صناعة الفضاء بمثابة سلسلة متصلة تتكون من حلقات ترتبط ببعضها بعضًا، تبدأ من المدارس والجامعات التي تهتم بتطوير مهارات العلوم والرياضيات لطلابها، ثم تطوير صناعة الصواريخ والمركبات الفضائية، مرورًا بالبنية التحتية والتكنولوجية المؤهلة لعملية إطلاق وتشغيل وإدارة الأقمار الصناعية، نهاية بإمداد رواد الفضاء بالمعدات والأدوات اللازمة لكي تمكنهم من إجراء تجاربهم لاستكشاف الفضاء، وتزويدهم بالغذاء الذي يمكنهم من البقاء أحياء، ومن ثم فهي تتطلب الارتقاء بجودة التعليم، ومهارات القوة العاملة، وكفاءة التصنيع.

الأقمار الصناعية الصغيرة:

التوجه الحالي لقطاع صناعة الفضاء هو الاعتماد على الأقمار الصناعية الصغيرة والصغيرة جدًّا من حيث الحجم، حيث تعتزم مجموعة "إيرباص" الأوروبية تصميم وصناعة نحو 900 قمر صناعي لصالح شركة "ون ويب" الخاصة التي تخطط لتقديم خدمة إنترنت فضائية عالية السرعة لمليارات من الناس حول العالم.

وقالت شركة "ون ويب"، ومقرها بريطانيا، إن نحو 700 من الأقمار الصناعية التي لا يتجاوز وزن كل واحد منها نحو 150 كيلوجرامًا، ستُطلق في مدار حول الأرض ابتداء من عام 2018، بينما ستظل البقية على الأرض لتستخدم كبدائل عند الحاجة.

هذا فضلًا عن اتجاه شركات، مثل "جوجل" و"فيسبوك"، لبث الإنترنت إلى الأماكن النائية بالاعتماد على الأقمار الصناعية صغيرة الحجم، حيث أعلنت شركة جوجل عن خطة لبناء 180 قمرًا صناعيًّا لبث الإنترنت عبر الفضاء إلى ما يقرب من 4.8 مليارات مستخدم ترى جوجل أنهم ما زالوا بعيدين عن الإنترنت.

وباتت الأقمار الصناعية الصغيرة جدًّا التي تسمى CubeSat تستحوذ على درجة من الاهتمام، فهي أقمار صغيرة الحجم، عادة لا يتعدى حجمها 10 سم مكعب ولا يزيد وزنها عن 1 كلجم، ويمكنها أن تقوم بعدة وظائف، مثل: التقاط الصور من الفضاء، وإرسال واستقبال الاتصالات اللا سلكية، وإجراء أبحاث حول الغلاف الجوي، والقيام بالمزيد من التجارب البيولوجية، كما أنها تعتبر منصة اختبار لتقنيات المستقبل.

ومع وجود الأقمار الصناعية العملاقة والصغيرة والصغيرة جدًّا، من المنتظر أن يزدحم الفضاء الخارجي بآلاف الأجرام السماوية الصناعية، بصورة تجعلنا نتساءل: هل من الممكن أن تحدث أزمة مرور في الفضاء الخارجي في المستقبل القريب؟

التقارير