أكبر سجان للصحفيين يحاضر في الدفاع عنهم
اليقينعند ظهر يوم الجمعة الماضي، وبعد ساعات من نشر صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُحرّض فيه الإدارة الأمريكية على معاقبة المملكة العربية السعودية وقياداتها في قضية الصحفي جمال خاشقجي، خرج حوالي خمسة مراصد إعلامية من التي تتخصص في تقييم الأخبار والتعليقات وتصنيف مدى الفبركة والتحيز فيها، ووجهت للواشنطن بوست انتقادات في صلب الأخلاقيات المهنية ومقتضيات الموضوعية.
كان تقييم هذه المراصد الإعلامية أن صحيفة “الواشنطن بوست أطلقت رصاصتها على قدمها” عندما سمحت لأردوغان أن يحاضر عن العدالة والديمقراطية وحماية الصحفيين وهو الذي كانت، هي نفسها الواشنطن بوست، وصفته في الـ 11 من مارس الماضي بأنه حوّل تركيا إلى سجن دكتاتوري في عمق عدائه للحرية الصحفية وحقوق الإنسان.
حيثيات الطعن في صدقية البوست
بعض هذه المراصد الإعلامية، وهي تُثقل في انتقاد الواشنطن بوست لإعطائها مساحة لأردوغان المصنّف عالميًّا بأنه الأكثر تفظيعًا مع الصحفيين وحرية الرأي، استذكرت أن الصحيفة نفسها كانت قالت في مستهل افتتاحيتها قبل عدة أشهر، إن “التغريدة في ظل حُكم أردوغان تتحول إلى جريمة، وإن الديمقراطية المتعثرة تصبح دكتاتورية”.
وفي المقالة ذاتها الموقعة باسم مجلس التحرير، وهو الأمر الذي يعني أن ما تضمنه يشكل قناعات سياسية يُفترض بالصحيفة أن تلتزم بها، فقد أوردت البوست يومها أن الأسبوع السابق (بدايات مارس 2018) شهد وحده الحكم على 23 صحفيًّا بالسجن مددًا تترواح بين 2 – 7 سنوات، وبتهم أنهم استخدموا تويتر بتغريدات لا تعجب أردوغان.
وكانت صحيفة الواشنطن بوست، التي أعطت لأردوغان يوم الجمعة مساحة يكتب فيها عن العدالة، وصفت في مقالها الافتتاحي بأنه وظّف موضوع المحاولة الانقلابية الفاشلة (يوليو 2016) لاقتلاع معارضيه أو من يٌشتبه في أنهم يخالفونه في الرأي، في القضاء والإعلام والجيش والجامعات، بسجن ما يزيد عن 60 ألفاً وإنهاء خدمات ما يزيد عن 150 الفاً.
وفي “مقالة الموقف” نفسها أشارت الصحيفة إلى أن أردوغان أخرج نفسه بالتأكيد من نهج الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون، وانضم إلى قائمة الأنظمة الدكتاتورية التي تبني شرعيتها على العسف والتحكم بأفكار الناس.
لتنتهي، الواشنطن بوست، إلى القول إن دكتاتورية أردوغان يجب توصيفها كما هي وبصوت مرتفع. وإذا كان أردوغان يغطي أذنيه حتى لا يسمع، فإن من واجب الولايات المتحدة والأمم الأخرى أن تعلو أصواتهم بالاعتراض عليه”.
توظيف أردوغان لقضية خاشقجي في لعبة استعراضية
اللافت للنظر هو أن الصحيفة وبعد أن ووجهت ظهر اليوم ذاته بحملة من مراصد الفبركة والتحيز الإعلامي، عادت في النسخة المسائية ونشرت تقريراً أشارت فيه إلى أن الحملة التي يقودها أردوغان على السعودية وقياداتها ليست بريئة لوجه العدالة، بل إنه يريد توظيف قضية خاشقجي في لعبة استعراض قوة إقليمية.
وأشارت البوست في تقريرها المسائي إلى أن لعبة أردوغان الإقليمية، التي يوظف قضية خاشقجي فيها، أساسها أنه يريد الثأر من السعودية والإمارات ومصر؛ لأنهم يرون في الإخوان المسلمين، الذين ترعاهم تركيا وقطر، خميرة الفكر الإرهابي.
ترويج تركي للإسلام السياسي
ولم تكن الواشنطن بوست وحدها التي بدأت منذ مطلع الأسبوع الحالي تتوسع في عرض الأجندة السياسية التي يروّج لها أردوغان من خلال التجديد اليومي في تقليب ملف قضية خاشقجي.
فقد نقلت شبكة “ان دي تي في” التلفزيونية عن طيف من محللي مراكز الدراسات، قناعاتهم بأن أردوغان في طريقة إدارته لملف “خاشقجي” لا يعنيه من هذه القضية إلا أنها مدخل للهجوم على محور السعودية – الإمارات – مصر، كما قال سونر كاجاتبي مدير برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط، الأمريكي.
يريد رفع المقاطعة عن قطر
ونقلت الشبكة عن لينا الخطيب مديرة برنامج الشرق الأوسط في المركز البريطاني، تشاتم هاوس، قناعتها أن أردوغان وجد في قضية خاشقجي فرصة ذهبية ليروج لأحلامه في قيادة العالم الإسلامي، بأن يكون بديلاً عن السعودية. مضيفة أن أردوغان لا يستطيع ذلك؛ لأن الكرة العالمية بيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ونسبت الشبكة إلى ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن أردوغان، وهو يجدد يوميًّا ويرفع من وتيرة الحملة على السعودية، يريد أيضاً مساعدة قطر بأمل أن يثمر ضغطه في رفع المقاطعة العربية الرباعية عن الدوحة.