اليقين
التقارير

مع البداية.. مشروع الـ”صفر”.. كيف اختزل الإخوان وظيفة جيش الشرعية في حماية مكاسبهم؟

اليقين

اليقين ... تقارير

سخر الرئيس اليمني السابق "صالح" من الرؤساء العرب، ومن نفسه مرة، فقال في حوار مع إحدى الفضائيات، إن الجيوش العربية جيوش أنظمة لا جيوش دول، وأنها موجهة ضد شعوبها وليست ضد العدو الخارجي، وأنها جيوش للقمع تدافع عن أنظمة الحكم وليست جيوشاً للتحرير تدافع عن حقوق الشعوب.

من سخرية القدر، أن يكرر "الإخوان" الذين شاركوا في إسقاط صالح ضمن "الربيع العربي" ذات التجربة بصورة أردأ، دون أن يمتلكوا الشجاعة للسخرية من أنفسهم، كما فعل خصمهم، وهم الذين لطالما شتموه واستهزؤوا به، كيف يقول ما لا يفعل، وكيف يفرغ وظيفة الجيش لحماية منظومته -التي خانته لاحقاً- ضد الشعب! لقد أعاد الإخوان التجربة في نطاق أضيق وبطريقة بدائية..

ففي تعز، وهي حقل دراسة لدى كثير من المهتمين بمراقبة تكتيكات الجماعة، أنشأ الإخوان مليشيا هشّة، تقوم على مزيج تحالفات قبلي/ عسكري، مع فارق أن السواد الأعظم من هذه المليشيا منفلت بشدة، وفارق آخر مهم؛ أن مثل هذه التحالفات، التي قد وصل بها صالح إلى سدة السلطة، كانت أكثر تنظيماً ووفاءً بالتزاماتها تجاه بعضها، وتجاه الآخرين بمن فيهم الأعداء.

لقد نفذ الإخوان في تعز قرار هادي بدمج المقاومة ضمن ألوية الجيش العسكرية بطريقة مضحكة ومنذرة بكوارث، إذ يمكن القول إنها ألوية قروية ومناطقية، تنقسم ولاءاتها بين عدد من الواجهات المناطقية الموالية للإصلاح أو المتحالفة معه، ولكل من هذه القيادات مصالحه وأطماعه ضمن خارطة المصالح التي يرسمها الحزب والتي أصبحت مشوشة لكثرة ما عدلت ومحيت خطوطها، ويعاد رسم أجزاء منها مع حدوث أبسط تغيير.

هذه التحالفات الغريبة والتي كثيراً ما تصطدم فيما بينها، ويسعى مسؤولو الحزب ووجاهاته لاحتواء صداماتها كل حين، تساهم أيضاً في صراعات الحزب وشعاراته ومعاركه الممولة، ضد الإقليم، ولكون هذه التحالفات لا تمتلك تنظيماً حقيقياً، ولا تماسكاً عميقاً يسمح لها بتقديم نفسها كبديل عن الطوق الهش الذي تنضوي فيه، فإنها تعمل على إثارة الضجيج واستثماره مع الإصلاح أمام حلفائه الخارجيين لاستثمار التمويل، أو لتكريس نفوذهم ومصالحهم ضمن "الشرعية".

غير أن هذه التحالفات بكلها وكلاكيلها لم تستطع حماية شارع واحد، ولم تتمكن من تشغيل مؤسسة واحدة داخل المدينة، ولم تتمكن من تحمل ملاحقة مجرم واحد وتقديمه للمحاكمة، حتى وهي تسوغ لنفسها حق إقصاء الأطراف الأخرى في "تعز" باسم "التضحيات"، وتضع نفسها صاحبة الحق في الاستيلاء الشامل على كل مراكز القوة والنفوذ وتمثيل الشرعية وجيشها وشهدائها وجرحاها ومسؤوليها ومواطنيها!

يريد الإصلاح أن يحكم، رغم كونه الحاكم أصلاً، يريد أن يتمكن، وهو المتمكن، يريد السلطة المطلقة، وهي في يده عدا استثناءات قليلة، يريد الرئيس والنائب والجيش والإعلام والشارع والتجارة والمؤسسات والمشافي والإغاثات وهو مهيمن عليها جميعاً، يريد كل شيء ويعجز مع كل ذلك عن الشعور بتمكنه من أي شيء، بما في ذلك الإحساس بسيطرته، ورغم هيمنته فإنه يشعر بعجزه عن الحفاظ على أي شيء، يرغب بكل السلطة ويمتلكها، ثم يعجز عن فرضها على شارع واحد في نطاق سيطرته، والسبب بسيط: أن تنظيم الإخوان كيان مقلد وفاشل ودعي، لا يفهم ولا يعرف ولا يدرك ما الذي يريده، وما الذي عليه أن يفعله، وما نتيجة تنصّله عن واجباته والتزاماته.

من السهل لتنظيم بلا مشروع كهذا أن يعلن عن عشر عمليات تحرير، وأن يعلن عن ساعة الصفر مئة مرة، حتى يجعل حياة الناس وآمالهم أصفاراً متجاورة، ليس لها أي قيمة.

لكن من الصعب عليه تحرير تبة لوزم والسلال بثلاثة مليارات، كما استحال عليه تمشيط محيط جبل الوعش بثلاثمائة مليون ريال.

ولقد عجز في كل شيء، إلا الفشل الذريع والخزي المريع والوقاحة البلهاء التي لا تتوقف عن الازدهار في عقول قياداتهم وقلوبهم ووجوههم وألسنتهم.. ولذا لن يكفوا عن الإعلان عن شروعهم في التحضير لعمليات تحرير أمام الكاميرات، كي تصرف لهم المبالغ المعلقة لإنعاش أرصدتهم المتخمة.

والتي ما إن تودع في حساباتهم، حتى يعودوا للشكاية في المقايل، وعلى وسائل الإعلام من عدم كفاية الدعم وعدم كفاية الأسلحة التي يمتلكونها لتحقيق أتفه انتصار.

وها قد بات جلياً، أن هذه الألوية "المناطقية" في تعز، والتي تهيمن عليها جماعة الإخوان اليوم، لم تشكل لخوض أي معركة يشترك في أهداف خوضها قادة الإخوان مع قواعدهم وعناصر تنظيمهم، ناهيك عن انتماء هذه الألوية المناطقية إلى مناطق ما زالت خاضعة للحوثيين حتى اللحظة، وعجزت أن تحرر حتى المناطق التي ينتمي إليها سوادها الأعظم وقادتها المبهورون بأنفسهم، فإنها مع ذلك، لم تنجح حتى في لجم البلطجة وقطع الطريق ونهب المواطنين، وكلها ظواهر أصبحت طاغية على المليشيات التي هيمن عليها الإخوان اليوم! ومع أن الدلائل تشير إلى وجود تنسيق، بل وحماية وإدارة للفوضى من قيادات هذه الألوية، إلا أن ذلك لن يفهم إلا بكونه إدارة للفوضى وتدميراً للمجتمع، وليس إلا فصل هزال للقيادة الإخوانية التي لا تمتلك حتى مشروع ديكتاتورية قوية ماكنة ومهيمنة، بل محض سماجة "ملخجة" و"ملججة" إلى ما لا نهاية، ولولا حرفية وضخامة الدعم الذي تقدمه المؤسسات القطرية المتينة بدءاً من الدعم الاستخباراتي وحتى الدعم التمويلي والإعلامي واللوجستي، لكان خبث التنظيم الإخواني الكبير قد فشل في أن يكون بهذا المستوى من الاستعصاء والإيذاء..

المصدر : نيوز يمن

التقارير