المقالات

اليمن وعدسة الحرب القذرة…

اليقين

غمدان اليوسفي - صحافي يمني

يونيو 29, 2022

تجولت القناة في صنعاء بأريحية، وزارت أماكن كثيرة عدا تلك التي تمنينا أن تزورها، مثلاً السجون التي يخفي فيها الحوثيون زملاءنا الصحافيين، أو النساء وبينهن عارضة الأزياء انتصار الحمادي، أو السياسيين، أو غيرهم من البشر... هذه أشياء محرمة.

توجعك الصورة وأنت تشاهد أحدهم يروي مأساتك نيابة عنك، ومن وجهة نظره هو، ويسد بيده فمك كي لا تصحح ما يقول، لأنه يرى أنه يعرف أكثر.

ينتابك هذا الشعور وأنت تشاهد فيلماً وثائقياً مدته 50 دقيقة بثته قناة DW الألمانية، كل تفاصيله وضيوفه في صنعاء، فيما عيناك وحدهما تنظران من خارجها، تترقبان طوال العرض متى سينتقل الصحافي لنقل الجزء الآخر من الحكاية.

لاشيء… يستضيف الفيلم قياديي الحوثي في منازلهم ومكاتبهم الفارهة، بدءاً من محمد علي الحوثي، الحاكم الفعلي لمناطق سيطرة الحوثيين، مروراً بأحد أبرز وجوههم القيادي حسين العزي، ثم وزير داخليتهم جلال الرويشان وشقيقه، وعبدالقادر المرتضى الممسك بملف الأسرى والمعتقلين، وأكبر تاجر داعم لهم (يحي الحباري). هذا الأخير ظهر متباهياً بمسبحه الفاره المغلق وخيوله وسلاحه، إضافة إلى سيارة الرئيس هادي المصفحة التي صارت ملكه قائلاً إنه اشتراها من أصدقائه الحوثيين.

واستضاف الفيلم رئيس منظمة مقربة من الحوثيين وأطباء في مستشفى في الحديدة ومسؤولاً حوثياً عن الألغام وجندياً سودانياً ورئيس شركة النفظ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومدخل الفيلم لشخص وُصف بـ”مؤثر” وقال إنه داعم للحوثيين أيضاً.

هذه قائمة كل ضيوف الفيلم الطويل الذي عنونته القناة بـ”حرب اليمن القذرة”، وأظهر السواد الذي تخلفه أي حرب، والثراء الذي تخلفه الحروب أيضاً عند تجارها، وهو ما أكدته القناة من مشاهد لقادة الحوثي.

كالعادة، مر معدو الفيلم من مطار عدن، ولم يسألوا أنفسهم ماذا حدث هنا، وكيف أن آخر شيء حدث في هذا المطار لا يمكن أن يمر على أصغر صحافي مبتدئ، ولو حتى من باب المجاملة ذكر ماحدث.. ذلك الحدث الجلل الذي استهدف طائرة الحكومة اليمنية والتي استهدفت بالصواريخ وسقط قتلى وجرحى من المواطنين الذين باغتهم الصاروخ في صالة الانتظار ونجت الطائرة بأعجوبة من الصواريخ.

مر معدو الفيلم في الطرق الوعرة، وأبدوا امتعاضهم من الواقع، ولم يقولوا من الذي يسد الطرق، ومن الذي يرفض فتحها وكيف ظل المبعوث الأممي منتظرا لرد الحوثيين على مقترحه بفتح طريق واحد فقط ليصل الناس إلى مدينتهم تعز بسلام كما كان في السابق في 20 دقيقة وليس في 10 ساعات في الجبال الوعرة، وكان الرد المتوقع بالرفض.

واستمرت حفلة الردح الإنساني في صنعاء طوال الفيلم، وأتوا بالرواية المنقوصة التي يسلكها كل من أراد تشويه الملف اليمني، حيث حددوا تاريخ الحرب بالعام 2015، وهي الرواية التي أصبحت سمة لكل من يريد أن يقفز بالملف إلى رؤيته ضد التحالف السعودي- الإماراتي وليس لرواية القصة اليمنية الحقيقية.

تجولت القناة في صنعاء بأريحية، وزارت أماكن كثيرة عدا تلك التي تمنينا أن تزورها، مثلاً السجون التي يخفي فيها الحوثيون زملاءنا الصحافيين، أو النساء وبينهن عارضة الأزياء انتصار الحمادي، أو السياسيين، أو غيرهم من البشر… هذه أشياء محرمة.

يتجاهل هؤلاء أن الحرب بدأت في سبتمبر 2014 حين اسموها ثورة 21 سبتمبر، أي قبل تدخل التحالف ب 6 أشهر، وما قبلها من عمران، ويؤرخون للضربات الجوية من آذار/ مارس 2015 بينما كان الحوثيون يقصفون قصر الرئاسة في عدن بالطيران عقب فرار الرئيس هادي من قبضتهم في صنعاء.

يتم تصوير الواقع بأن التحالف جاء ليحارب اليمنيين كما يصور هؤلاء هكذا وكأن اليمنيين ليسوا في المشهد.

حين يقرر صحافي أو مخرج أفلام أن يصوّر فيلماً ويسميه “حرب اليمن” عليه أن يعرف أين بدأت الحرب، من عمران وحتى صنعاء التي سيطر الحوثي عليها بمؤامرة دفعنا نحن ثمنها مع المتآمر نفسه، ثم بدأت الحرب على اليمنيين وليس على صنعاء، فجاء التحالف بمحاسنه وأخطائه ليكون جزءاً من الحرب، وحين حاول الابتعاد من القصة بدأت تظهر للعالم حقيقة الإشكالية، وهي أن الحوثي حصل على كل ما أراده واستكثر علينا فتح طريق واحدة لنعبرها إلى مدننا المحاصرة.

نقلاً عن موقع / daraj

=

المقالات