اليقين
المقالات

الحديدة تهزم الحوثي والشرعية معاً

اليقين

 

الحديدة  ، اليقين ، نيوزيمن، سياف الغرباني

بمجرد أن خفت ضجيج مشاورات السويد اليمنية، في غضون إعلان التوصل إلى اتفاق بشأن إدارة مدينة الحديدة وموانئها، برزت خلافات الطرفين لتتصدر واجهة المشهد، وسط سباق تصريحات يؤكد كل طرف فيها أن إدارة الميناء ستؤول إلى جهات ذات صلة به.

ويحمل استمرار الخلاف على إدارة الحديدة -عقب الاتفاق- إشارات صريحة، إلى بداية خاطئة لمشاورات السويد، تقع مسؤوليتها على كاهل المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، إذ لم يُعرف في الأساس ما الذي تم الاتفاق عليه بشأن المدينة الواقعة على الضفة الشرقية للبحر الأحمر.

في ذات الوقت، يعكس الجدل حول ملف الحديدة، حالة تناقض داخل الأطراف ذاتها، فضلاً عن كونه يثير تساؤلات بشأن إمكانية تمرير الخطة من عدمه، لاسيما مع التنافس الحالي في تفسير بعض البنود.

ويلحظ أن كلا الطرفين يحاول إيصال صورة مزيفة لمؤيديه في الداخل بأنه هو المسيطر والقادر على فرض ما يريده، بينما الراجح أن إدارة الموانئ ستكون بيد عبر الأمم المتحدة، فيما قد توضع المدينة في أيدي كيان هجين من الطرفين.

مأزق الشرعية يتصاعد.. وهذه ملامحه

ليس في خانة المتوقع لدى كثير من اليمنيين، أن يغادر وفد حكومة عبدربه منصور هادي، استهلوكم، وهو لا يدرك جيداً ما الذي اتفق مع الطرف الآخر على تنفيذه، غير أن المؤشرات حتى اللحظة تشي إلى أن هذا ما حدث. على أن جذور هذا المأزق تعود إلى تناقض معسكر الشرعية ذاته.

من وقت مبكر من الأزمة، لا يفوت فريق هادي، فرصة لتأكيد تشبثه بالمرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن، غير أنه، في المقابل، لا يتردد في الهرولة إلى طاولات مشاورات تخلل جسد الشرعية الهشة وتمضي على تفاهمات هي أقرب ما تكون لطعن في الظهر.

ثمة جملة ثابتة يرددها الرئيس هادي، بانتظام، نهاية كل نشاط رسمي، مفادها إن "الحكومة الشرعية مستعدة لأية مفاوضات سياسية لتطبيق القرار الأممي ‏رقم 2216 حول انسحاب الحوثيين وتسليم للسلاح ومؤسسات الدولة".

وفي غير مرة وضع هادي الحوثيين وداعميهم في طهران، بين خياري "تنفيذ ‏المرجعيات ‏الثلاث أو تحمّل النتائج المترتبة على تعنتهم".‏

غير أن هادي عاد لاحقاً ليناقض هادي، إذا تخلى عن هذا المنطق العنيد، في غمرة انهماك الموفد الدولي، في الترتيب لجولة المشاورات الأخيرة، قبل أن يرسل فريقه المفاوض مطلع ديسمبر 2018م إلى طاولة مباحثات وضعت على أرضية رخوة، وخارج انساق المرجعيات الثلاث.

وقد بلغ التناقض لدى فريق هادي، ذروته، عقب مغادرة السويد، حيث عاد رئيس الوفد الحكومي المفاوض خالد اليماني، لتوجيه رسالة إلى المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، طالب فيها بممارسة الحزم المطلوب لضمان تنفيذ الحوثيين بنود الاتفاقات.

وتطرق اليماني في رسالته إلى الاتفاق الخاص بمدينة الحديدة، وقال: "أهيب بكم وبكل الأجهزة المعنية في الأمم المتحدة ممارسة الحزم المطلوب لضمان تنفيذ الانقلابيين الحوثيين لبنود الاتفاقات والانسحاب الكامل، وعدم إبقاء ميليشياتهم تحت مسميات مختلفة".

وشدد اليماني على ضرورة "عدم استغلال الحوثيين للفترة الفاصلة بين إعلان الاتفاق وسريان عمل اللجنة العسكرية لنهب المدينة، ووضع سكانها تحت رحمة مجرمي الحرب الحوثيين".

وباستقراء دلالات رسالة وزير الخارجية، يمكن استنتاج بديهية أن منظومة الشرعية بشكل عام، تمارس التناقض مع نفسها، إلى جانب مراس نوع من التدليس على وعي أنصارها، ذلك أن نصوص الاتفاق المعلن في ختام مشاورات السويد، إلى جانب تصريحات مارتن غريفيث، لم تشر إلى بند واضح يلزم الحوثيين بتسليم الحكومة عنق الحديدة والموانئ.

انسحاب الحوثي لا يعني إخلاء المدينة

بالعودة إلى مسودة "اتفاق الحديدة" فإن مسلحي الحوثي ملزمون بالانسحاب من المدينة الى خارج حدود الإدارية للمحافظة، مع بداية العام الجديد، غير أن قيادات الجماعة بدأت ترسل إيحاءات لجهة عدم التصديق على اتفاق من هذا النوع.

وفي وقت سابق، قال رئيس وفد الحوثيين في مشاورات السويد محمد عبد السلام، في تصريحات صحافية، إن انسحاب مسلحي جماعته من مدينة الحديدة، مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم، غير وارد.

وأشار عبد السلام، إلى أنه من الممكن أن تشرف الأمم المتحدة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، وما عدا ذلك فإنه يمثل استسلاماً”.

وتعزز تصريحات رئيس وفد الحوثي المفاوض، تحركات الجماعة على الأرض، إذ إنها كثفت في الأيام التالية لإعلان السويد، من الدفع بمزيد من التعزيزات إلى مدينة الحديدة، بجانب احتلال المزيد من المنازل والمنشآت والتمركز فيها.

غير أن عضواً آخر في وفد الحوثيين، أطلق تصريحات معاكسة لرئيس الوفد، حيث قال حميد عاصم، إنه "تم الاتفاق في السويد على لجنة مشتركة مهمتها الإشراف على الانسحاب من ميناء الحديدة والصليف ورأس عيسى ووقف إطلاق النار، أما إدارة المدينة والميناء فستؤول إلى السلطات الأمنية والمحلية في الحديدة، والوفد الآخر أغفل التفاصيل وظن أن الأمور ستسير في صالحه".

وأضاف القيادي الحوثي، أنهم "لن يسلموا الميناء إلى أحد، خصوصاً مع استمرار عمليات القصف، وهذا ما تم الاتفاق عليه في السويد والمبعوث الأممي هو الشخص الوحيد المعني بتفسير الاتفاق".

وجاءت تصريحات القيادي الحوثي مناقضة لتصريحات الحكومة اليمنية، التي تقول إن اتفاق ستوكهولم يعيد الأمور في الحديدة إلى ما كانت عليه قبل انقلاب ديسمبر 2014. حيث زعم أن الاتفاق يمنح ما أسماها "السلطة الحالية"، كافة السلطات الإدارية والأمنية في المحافظة".

ولم يفوت عاصم الإشارة إلى أن الاتفاق نوقش كلمة كلمة، وجاء بضغط دولي على الطرف الآخر (حكومة هادي)، وقد قدمنا تنازلات في الحديدة، والطرف الآخر هو من يتراجع عن الاتفاق لأنه لا يصب في مصلحته.

غريفيث يكرس مسارات مغايرة

وبموازة تناقض الطرفين المحليين، يتحرك مهندس وراعي "حفلة السويد" مارتن غريفيث لتعزيز مسارات مغايرة إلى جانب العمل على خلق مرجعيات جديدة للحل في اليمن ليس من بينها المرجعيات الثلاث، بالاتكاء على الضغوط الدولية التي تعد واحداً من رهانات المبعوث الأممي.

ويحيط الكثير من الغموض بتحركات غريفيث، في وقت تتعارض تصريحاته مع الخطة التي تبناها بشأن ملف الحديدة، فضلاً عن تناقض جديد بين نصوص المقترح والرؤية الأممية للتنفيذ.

وتدور خطة غريفيث حول إنجاز اتفاق جزئي على قاعدة التوزان النفعي بين حكومة هادي والحوثيين، وهي معادلة غير واقعية تكرس رهان الحوثيين على استخدام الحديدة ورقة للمقايضة ببقاء وجودهم في المناطق التي ما زالوا يسيطرون عليها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به بقية الأطراف في المعادلة اليمنية والإقليمية.

ومقابل الحرص الذي يسوقه، من وقت لآخر، لجهة إنجاز اتفاق سلام في اليمن، يركز الموفد الدولي كامل تحركاته لتمرير "وصفة سامة" لملف مدينة الحديدة، بدأت بإعلان وقف لإطلاق النار يقتصر عند حدودها فقط، إلى جانب أنه لم يحسم الخطوات التالية لـ"الهدنة" حتى اللحظة.

المقالات

آخر الأخبار