اليقين
المقالات

الإيرانيون يفقدون الأمل بترمب

ممدوح المهيني _ صحفي سعودي
ممدوح المهيني _ صحفي سعودي

حسَم ترمب أمره بتوجيه ضربة عسكرية لأهداف إيرانية، لكنه قرَّر التراجع لأن جنرالاً ظهر على شاشة فوكس نيوز، وقال إن الإسقاط ربما كان بالخطأ. اسم هذا الجنرال هو جاك كين، الشخصية التي يثق برأيها الرئيس الأميركي ولا يجامله، حيث انتقده بشدة حينما قرَّر بعد مكالمة مع أردوغان الانسحابَ من سوريا.

على الأرجح أن الرواية في الأعلى مختلقة من الطرفين حتى بدون اتفاق مسبق. الجنرال يعرف أن إسقاط الطائرة لم يكن بالخطأ، ولكنه اختلق ذريعة لترمب، الذي يدرك بنفسه هذه الحقيقة، ولكنه يبحث عن مخرج آمن. جنراله المفضل وفَّر له الحجة الملائمة في الوقت المناسب، لأن الكل يعرف أن الرئيس الأميركي لا يريد حرباً، وقد اتخذ عملياً الخطوة الصائبة، رغم أن القرار خرج وسط زوبعة من التصريحات والتغريدات المتعارضة.

بعد قرار التراجع انجرح كبرياء الرئيس الأميركي عندما وجَّه له خصومه نقداً مؤدباً ولكنه مهين، حيث قارنوه بسلفه الرئيس أوباما. ترمب بنى سمعته كرجل قويّ ومِقْدام بالتعريض بأوباما، واصفاً إياه بالجبن والضعف. ولكن النقاد قارنوا موقفه من إيران بموقف أوباما وتهديده الشهير بضرب الأسد إذا تجاوز الخطوط الحمراء ثم تراجع عن ضربه، بعد أن أخذ جولة مع مستشاره للأمن في حديقة البيت الأبيض. هذه المقارنة المهينة جعلت ترمب يتحدث بعدها بساعات أمام الصحافيين، معلناً أنه ليس حمامة وليس صقراً، ولكنه رجل عقلانيّ.

ترمب قد يكون ارتكب خطأ بعدم ضرب الإيرانيين حتى لا يتمادوا، وقد يكون أيضاً مصيباً، حيث حرمهم من مواجهة عسكرية محدودة يستفيدون منها داخلياً ودولياً. ولكن الحقيقة أن هذه خطوة تكتيكية، فترمب وفريقه وضعوا الاستراتيجية المحكمة لمعاقبة النظام الإيراني العدواني بشكل حاسم. وهذا على النقيض من الرئيس أوباما الذي لم يكن يملك أي استراتيجية في سوريا، التي قرَّر الخروج منها نهائياً، ليسهلَ ظروف توقيع الاتفاق النووي مع طهران. الاتفاق الذي كان عملياً مجده الأكبر في السياسة الخارجية بعد مقتل زعيم القاعدة، لكن ترمب مزقه وألقاه في سلة المهملات، وهذا أحد الأسباب المفهومة للنقمة عليه من الأوساط الديمقراطية.

حاول الإيرانيون التلاعب بترمب بأكثر من طريقة، بالتصريحات والتغريدات ومن ثم بالأفعال، لكن البيت الأبيض بقي ثابتاً على موقفه الاستراتيجي الذي يثبت النظام الإيراني المختنق نفسه أنه الصحيح. فقد حاولوا منذ البداية تقسيم إدارته وضرب الرئيس بوزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي، حينما قالوا إنهما يتلاعبان برئيسهما ويدفعانه لحرب لا يريدها. وقد أبطل ترمب هذه المحاولات وأغلق باب الدسائس بالتصريح أنه صاحب القرار النهائي.

وبعد قرار إلغاء الضربة نشطت الدعاية الإيرانية، وبمساعدة من الإعلام الأميركي المعادي لترمب وحفنة من الموالين له (بعض إعلام المحافظين مؤمن بأميركا منعزلة. تطبيق حرفي وضيق لفكرة أميركا أولاً) ونقلت تسريبات مزيفة على لسان ترمب بأنه تعرض لضغوط مقرفة من بعض أعضاء إدارته لتوجيه ضربة لإيران. تعرض بعض الصحافيين لهذه النقطة المثيرة للجدل، وتسربت أنباء بشكل متواتر عن إقالة بولتون. وفي تجمع صحافي مع ترمب أثيرت هذه المسألة من جديد، ولكن الرئيس الأميركي أعلن عن ثقته بمستشاره للأمن القومي، وأكد من جديد: "المهم هو أنا".

لم تنجح هذه المحاولات في تسميم عقله صوب إدارته ومثلها لم تفلح محاولة وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، الذي يسعى من خلال تصريحاته وحسابه بتويتر لبعث رسائل للرئيس الأميركي من خلال الهجوم على صقور أعضاء إدارته. فحوى الرسائل هي: "سيتلاعبون ويورطونك في حرب لا تريدها". انتهت هذه المحاولات بصدمة العقوبات المهينة التي فرضها ترمب على رأس النظام خامنئي، في إشارة واضحة إلى أنه جادّ ولا يخشى شيئاً، وساعدته هذه الخطوة بترميم صورته بعد قرار التراجع. بعدها فقد الإيرانيون الأمل في ترمب، وعرفوا أنه يقف مع إدارته في موقع واحد وهو خنق إيران اقتصادياً بشكل قويّ وشامل، أما الحرب فإذا وقعت، فستكون على توقيت ساعته وليس توقيت طهران.

المقالات

آخر الأخبار